لقد كنت محظوظاً بأنني تعرّفت على عالم الحروف والكلمات منذ سنوات العمر الأولى، وكانت الرحلة طويلة وجميلة، مهيبة ومبهجة. ربما كنت على أهداب الخامسة عشرة من العمر حين تجرأت على الدخول في عالم السحر المسحور، والكلمات والأحرف، وتحول الأمر إلى شغف لصيق بالشغاف، ولم أستطع المغادرة، أو التوقف ببساطة.لقد كانت الشجرة صغيرة لكنها كبرت سريعاً، وتعلمت كثيراً، وراكمت خبرات العمل على التفكير حكمة تزداد، ولعب الحظ دوره كثيراً، وكثيراً. وهذا أنا الذي تعودت على تقبّل السير على الرمال المتحركة، وفوق الجسور، وتحتها، وكلي ثقة في أن الشمس تشرق دائماً، مهما جُنّ الليل، وتراخت سدوله.كان لدي من الحظ ما جعلني أمرّ بكل ما يحتاج الصحفي والكاتب أن يمر به: صحافة ورق، ثم صحافة ديجتال، ثم كلمات صوت، وصورة تلفزيونية، وبودكسات صوتي، ومجموعة من الكتب، التي أصبحت مدعاة للتأمل والبهجة، وأنا أمرّ بها كل لحظة، طامحاً للأفضل، راغباً في المزيد. وبقيت الكتابة بالنسبة لي رحلة تشافٍ من كل شيء، وأمل في كل شيء.وكان لدي من الحظ أيضاً أن ألتقي بسدنة المهنة وأساتذتها، في سنيّ عملي الأولى، وكان الصقل يضفي الثقل على الكلمة والفكرة، والمحتوى، وتكبر كرة الثلج بالمزيد والمزيد. تكتب وتتعلم، وتتغير النظرة، وتتسع العبارة. ومع الوقت تطور لدي شعور بالخوف، فكلما قرأت أكثر، خشيت أن أكتب أكثر.وتتساءل رغم تقدم السنين: هل يستطيع الصحفي أن يتقاعد، والكاتب أن يتجاهل الحروف؟ وتحاول أن تفعل ذلك لكنك تفشل، وتعود كل مرة إلى بلاط صاحبة الجلالة، التي لا تزال جليلة رغم كل شيء، وتعيد الكرة تلو الأخرى، وتغزل نسيج الكلمات والحروف، وتشعر بالراحة والامتنان لأنك جزء من هذه الرحلة الكبيرة، وهذا العالم البديع.لو سألني سائل عن السر في الاستمرار في أي رحلة، لقلت له الأمل، واليقين بأن الغد هو صفحة جديدة، تستحق الانتظار والكتابة. أخبار ذات صلة