لم يكن التحذير الذي جهر به صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي، حول مترتبات التحوّل في الطاقة، في الجلسة الافتتاحية بندوة «أوبك» الدولية التاسعة، التي أقيمت الأسبوع المنصرم بالعاصمة النمساوية فيينا، منطلقًا من مشاعر قلق حيال اضطراب محتمل في سوق الطاقة التقليدية، بوصف المملكة تمثل عنصرًا أساسيًا فيه؛ بل كانت النظرة أبعد من ذلك، و«الرؤية» تستشرف أفقًا «إنسانيًا»، يرى بشمول يتجاوز الحسابات الآنية، والمصالح الضيقة، بما يحفظ التوازن الاقتصادي العالمي، ويردم الفجوات المتنامية بين شعوب ودول العالم، مما عمّق الأزمات، وزاد من حالة الاختلال الناشئة والمنظورة في العالم اليوم..وهو عين ما ألمح ونبّه إليه الأمير عبدالعزيز بن سلمان، بالإشارة البارقة إلى ما يعانيه نحو ملياري شخص حول العالم من نقص الطاقة، بما يعني بداهة عدم القدرة على امتلاك أسباب الإنتاج في حدودها الدنيا التي تغطي جزءًا من تكاليف العيش في أدنى مستوياته، فكان تحذيره واضحًا وبالجًا وقويًا بحتمية أن لا يأتي هذا التحوّل نحو الطاقات البديلة خصمًا على النمو الاقتصادي وتكاليف المعيشة، وأن يكون «مسار التحول الطاقي واقعيًا وعمليًا»..فهذان العنصران: «الواقعية» و«العملية» يقتضيان المعرفة بالمعطيات، وتقدير الإمكانيات تقديرًا سليمًا يتفق مع خطط التنمية المراعية لمسألة النمو الاقتصادي، وفق الاستراتيجيات المتبعة في كل بلد، ويتبع ذلك بالضرورة عنصر «العملية» التي تعني – في ما تعني – تسخير الإمكانيات بتقدير سليم، خلوصًا إلى النتائج المرسومة بتوقعات عالية، ونسب مرضية.لقد ضربت المملكة العربية السعودية المثل، وقدّمت النموذج العملي على ذلك، فمع احتفاظها بمقعد الصدارة في إنتاج وتصدير الطاقة التقليدية، اتجهت إلى التوسّع في مسار الطاقة البديلة، بما يشمل ذلك الطاقة الشمسية والنووية، فقد بشّر بذلك الأمير عبدالعزيز بن سلمان، خلال الدورة الـ(68) للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأوضح أن المملكة ستستشرف مطلع العام 2025 بإضافة نوعية جديدة في منظومة الطاقة، تمكّنها من المحافظة على موقعها الريادي في سوق الطاقة، بما ينسجم مع مكانتها الاقتصادية، ورؤيتها المستقبلية، وكانت تلك البشارة منسجمة مع «رؤية السعودية 2030»، واستشرافها لمآلات العالم المستقبلية مع الطاقة وعالمها، واستعدادًا مبكرًا تنتفي معه المفاجآت، وتتقلص فيه فرص الخسائر المحتملة حيال الاعتماد على الطاقة التقليدية، واتجاه العالم نحو الطاقة النظيفة، اتساقًا مع التوازن البيئي، والمحافظة على كوكب الأرض..وكيفما انتهى إليه الحال؛ فإن المواءمة بين الطاقة التقليدية والتحوّل الطاقي معادلة مهمة، تتطلّب وعيًا عالميًا؛ بحيث لا يتم التعامل مع أي منهما بانحراف يخرجهما من السياق الاقتصادي البحت، الضامن لأمن وسلامة ورفاه الشعوب، فبمثل ما طمأن الأمير عبدالعزيز بن سلمان الجميع في مؤتمر الطاقة الذرية بأن المملكة «تتجه نحو الاستفادة من الطاقة النووية وتطبيقاتها الإشعاعية للأغراض السلمية نظرًا لأهمية دورها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية»؛ فقد جاء تطمينه أيضًا بالإشارة إلى «أن التحوّل في الطاقة لا يمثّل تهديدًا لمنتجي النفط، بل يُعدّ مسارًا للابتكار التكنولوجي»، وأن النفط والغاز سيظلان عنصرين أساسيين لا غنى عنهما في ظل التوسع في مصادر الطاقة المتجددة والنووية والهيدروجين؛ بل ذهب إلى أبعد من ذلك بالتأكيد على أن «ضمان قوة وكفاءة شبكات الطاقة يتطلب التأكد من وجود كميات كافية من السوائل البترولية لتشغيلها».إن أكثر ما يبعث على الفخر والاعتزاز أن المملكة العربية السعودية مع رؤية 2030 قادرة على النظر في كل الاتجاهات، ومتعاملة مع الواقع بكل تعقيداته الماثلة، ومستشرفة للمستقبل بكل احتمالاته المنظورة، ويتجلى هذا بوضوح في ما يتصل بعالم الطاقة، والقدرة السعودية العالية على إدارة هذا الملف العالمي الحسّاس، مع تقلبات الأسواق العالمية بالنظر للأحداث الطارئة والساخنة التي تدور بين الفينة والأخرى، ليبقى ميزان الضبط بيد المملكة من حيث الإمداد والضخ وضبط إيقاع السوق العالمي، ماضية في الوقت نفسه في مسار التحوّل الطاقي، والاستفادة من كل الموارد المتاحة، وهو ما من شأنه أن يحفظ للمملكة مكانتها الصدارية في عالم الطاقة، وترسيخ مكانتها الريادية العالمية، سواء بما نشهده من اكتشافات نفطية وغازية جديدة، أو من خلال الدخول إلى النادي النووي، وعالم الطاقة النظيفة، فالمحصلة في النهاية ريادة مستحقة لدولة عملت وتعمل بهمة دؤوبة لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية، ولعب دور جوهري ومحوري وأساسي في منظومة الاقتصاد الدولي.حفظ الله قيادتنا الرشيدة وبارك لنا جميعاً في رجالها المقتدرين لمستقبل أفضل. أخبار ذات صلة