بعد تلك الكارثة، أوصت وكالة سلامة الطيران الأوروبية بإجراءات صارمة، منها فرض وجود شخصين في قمرة القيادة في كلّ الأوقات، ومراقبة الحالة النفسية لأطقم الطيران، وتوفير برامج دعم تسمح للطيارين بمناقشة مخاوفهم دون خشية فقدان وظائفهم.
قبل عشر سنوات، أصدرت دار نشر جامعة الملك سعود كتاب «علم نفس الطيران»، الذي ترجمه د. هشام العسلي، ويعد مرجعاً علمياً هاماً بهذا الجانب، وهذا الأسبوع سعدت بالاطلاع على ورقة علمية للزميل الدكتور عبدالرحمن السلمان تناول فيها التحديات النفسية المتزايدة في صناعة الطيران، وأشار فيها إلى أن 23% من حوادث الطيران خلال العقد الماضي ترتبط بشكل مباشر بعوامل نفسية حسب تقرير منظمة الطيران المدني الدولي لعام 2024.
الورقة العلمية مليئة بالأرقام والأبحاث الحديثة، ففي دراسة مشتركة أجراها الاتحاد الدولي للنقل الجوي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية عام 2024م وُصفت بأنها أوسع مسح في مجال الصحة النفسية للطيران، وشارك فيها 32,000 موظف من 42 دولة، كشفت الدراسة عن أزمة حقيقية؛ حيث تبيّن أن 56% من الطيارين يعانون من أعراض الاكتئاب السريري، وهي نسبة تفوق المتوسط العام في المجتمعات (بين 8% و12%)، كما أن 41% من الطيارين أفادوا بمعاناتهم من قلق الطيران، و14% اعترفوا بوجود أفكار انتحارية.
أما أطقم الضيافة الجوية، فقد أظهرت الدراسة أن 63% منهم يعانون من الاكتئاب السريري، و52% من قلق الطيران، فيما بلغت نسبة من لديهم أفكار انتحارية 18% وشملت الأعراض الإرهاق العاطفي والتوتر العضلي.
المراقبون الجويون لم يكونوا بعيدين عن هذا التأثير؛ حيث أظهرت النتائج أن 48% منهم يعانون من الاكتئاب، و34% من قلق العمل، و9% من أفكار انتحارية، وشملت الأعراض نوبات الهلع والأرق المزمن.
أما فنيو الصيانة فيعانون من الإجهاد وأخطاء التركيز وتأثيرات الضجيج.
الأشد قلقاً في نتائج الدراسة أن 76% من العاملين في هذا القطاع يرفضون طلب المساعدة النفسية خوفاً من فقدان وظائفهم أو تراخيصهم المهنية، وهو ما يستدعي إعادة النظر في سياسات التقييم والدعم.
في هذا السياق، برزت التجربة الكندية من خلال برنامج «الأجنحة الصحية»، الذي أطلقته وزارة النقل عام 2024م ويستند إلى ثلاث ركائز: الوقاية، الكشف المبكر، والعلاج الشامل.
يوفر البرنامج خطاً ساخناً يعمل على مدار الساعة، ويديره أخصائيون نفسيون متخصصون في بيئة الطيران، كما يتيح عيادات متنقلة في المطارات الكبرى تقدم استشارات نفسية سريعة خلال فترات الراحة، مع تشريع يمنع فصل الموظف أو سحب رخصته نتيجة طلب المساعدة.
التجربة أثبتت نجاحها، حيث ارتفعت حالات الإبلاغ الذاتي عن الأعراض النفسية بنسبة 300%، وانخفضت الحوادث المرتبطة بالتوتر النفسي بنسبة 45%.
أما في الجانب التقني فقد طوّرت وكالة ناسا عام 2024م نظاماً متقدماً يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل نبرة صوت المراقبين الجويين، يستشعر التغيرات الطفيفة في سرعة الكلام ووضوح النطق ونبرته، وبدقة تصل إلى 94%؛ بهدف رصد علامات القلق والتدخل مبكراً.
إن التوسع الكبير في قطاع الطيران، والزيادة الهائلة في عدد الرحلات والمسافرين ينبغي أن يقابلها اهتمام مناسب بالصحة النفسية للعاملين في هذا القطاع. فسلامة الأجواء لا تتحقق فقط بصيانة الطائرات أو تطوير الأنظمة، بل تبدأ دون شك من سلامة الأشخاص، ومن قدرة المؤسسات على رعاية الإنسان قبل الجهاز.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.