ربما يكون زمن الرومانسية الغنائية العربية بدأ منذ بداية الأربعينات، وازدهر فيما بعد ذلك، وأصيبت الأغنية بالسكتة الدماغية مع رحيل عباقرة الكلمات والتلحين والمطربين، وفي تلك الفترات اجتمعت كل القوى الناعمة القادرة على التسيّد والتأثير حتى غدت الذائقة الغنائية في أعلى مستوياتها.. ويقال إن التوجه الرومانسي جاء قراراً سياسياً؛ لتنويم المشاعر الثورية أو تغليفها بعد سنوات (النكبة) و(النكسة)؛ ولذلك كان القرار السياسي دافعاً للرومانسيات الفنية. ولأن جل المثقفين انشغلوا بالرسالة التنويرية حدثت تموّجات في كل مجال له علاقة بهذه التصنيفات، وما تلا سنوات الانكسار والانحطاط الفني أصبح من عاش في زمنها يتمنى أن تحدث دفعة سياسية تبقينا في زمن الرومانسيات الجميلة التي كانت الأيام بها سهلة، والدعوة لعودة زمن الرومانسيات بعد أن صدق طرفة بن العبد في بيته الشعري ذائع الصيت (ستُبْدي لكَ الأيّامُ ما كنتَ جاهلاً.. ويأتِيكَ بالأخبارِ مَن لم تُزَوِّدِ)، فالأيام أخبرتنا أن هناء العيش أن تكون سالماً آمناً في حياتك، ولأن أمتنا العربية تضعضعت حتى لم يعد هناك أمر يطيب الخاطر، نعم سقطت المراكز العربية، وتمرغت بذكرى الماضي..هذه المقالة ليست من باب (انسكاب اللبن)، وإنما وجدتُ فرصة لأن أتحدّث عن جماليات الأفلام العربية في نسختها (الأبيض والأسود) في أفلام الدعة والاستكانة، والحياة الهادئة البسيطة، التي كانت تجري مجرى الرومانسيات، وإذا كان الفن مرآة لواقعه فإن تلك الأغاني والأفلام قد جسّدت تلك الحالة النفسية للمجتمعات العربية من خلال ضخ تلك الرومانسيات..البارحة كنت أشاهد أحد أفلام (الأبيض والأسود) بعنوان (غرام وانتقام) بطولة يوسف وهبي وأسمهان، من ذلك الفيلم على رقة الفكرة، وبساطة الحوار تعرّفت على معلومة تحسب وبجدارة للفنان الكبير يوسف وهبي الذي أخرج الفيلم، كانت جراءته فيما أقدم عليه من قرار سيخلد اسمه أبد الدهر، كونه اتخذ قراراً لم يسبقه إليه أحد (وأتصور لن يفعل أي مخرج ما فعلة يوسف وهبي).. تقول القصة إن فيلم (غرام وانتقام) وأثناء التصوير حدث حادث مروري مؤسف ماتت فيه بطلة الفيلم أسمهان غرقاً بعد سقوط سيارتها في (الترعة)، ومع موت البطلة تمّت إعادة صياغة السيناريو لتكون نهاية البطلة وفق (تحبيشة) فنية بقتل أو نهاية البطلة، وجرأة النهاية أن الفنان يوسف وهبي قام بتصوير جزء من جنازة أسمهان بمشهد حقيقي لجثة أسمهان.وهذا الفيلم سيذكر التاريخ أن البطلة أكملت تصوير مشاهد الفيلم من البداية إلى النهاية، وأعتقد أن أسمهان هي الممثلة الوحيدة في العالم التي أكملت دورها في الفيلم وهي جثة هامدة.قرار يوسف وهبي قرار سيخلد مقدرته على إحداث الصدمة والدهشة معاً.. لذلك يمكن للممثل أو المخرج إنجاح أي فيلم بمواصفات خاصة تمكّنه من تغيير الموت إلى حياة. أخبار ذات صلة