عرب وعالم / السعودية / عكاظ

حملة البلديات والأمانات وإعادة تصويب البوصلة

كثرة التشريعات والأنظمة ليس دائماً هو الحل الأمثل للمشكلات المتراكمة ما لم تكتب تلك التشريعات بلغة ميزان الذهب من حيث الدقة والشمولية، فلا تدع مجالاً للضبابية التي تترك للقائمين عليها ترف الاجتهاد في تطبيقها وخاصة تلك التشريعات التي تتناقض مع ما صدر قبلها من أنظمة وتشريعات.

نشرت وزارة البلديات والإسكان بياناً صحفياً منذ أيام عن حملة تقوم بها لرصد ومخالفة تقسيم المساكن بغرض الاستثمار غير المرخص من قبل البلدية، لما لذلك من أثر سلبي على جودة الحياة والنسيج العمراني داخل الأحياء. وأشار البيان إلى أن أبرز المخالفات هو تقسيم الوحدات السكنية وفتح أبواب داخلية وتعديل مخارج عبر الارتدادات دون الحصول على تراخيص.

نؤمن بأهمية الأنظمة والقوانين والتشريعات الرسمية، ومن المؤكد صدرت لمعالجة مشكلة أو خلل ما، إلا أن المستغرب في هذا البيان هو عدم تحديد ماهية المشكلة وشرح تفصيلاتها ومسبباتها وتأثيراتها وتداعياتها ولم يذهب إلى المشكلة المحورية في الموضوع. القضايا البلدية والسكنية تمس تقريباً كل فرد من أفراد المجتمع، وتأثيراتها بالغة وشاملة، لذلك من المهم أن تدرس أي قضية ويتم تقييمها وتقويمها من كافة جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والعملية والبيئية، وعدم الاكتفاء بالجوانب الفنية والعمرانية والشكلية الجمالية البصرية.

التجربة الأولى في بناء المسكن تبقى ناقصة ما دامت هي الوحيدة. وبناء المسكن للغالبية الساحقة من الناس هي تجربة أولى وربما وحيدة، ومن هنا لا بد أن نتوقع نواقص وعيوباً تعتري التجربة الأولى في بناء المسكن، ولا بد أن نتوقع بعض الإصلاحات والتعديلات بعد فترة لهذه المساكن، كلما تم اكتشاف تلك النواقص والعيوب، خاصة في ظل فوضى المقاولين غير المصنّفين منذ سنوات مضت، وفوضى العمّال غير المهنيين، بجانب القوانين والتشريعات البلدية المتعددة والمتناقضة في بعض الأحيان والمختلفة من منطقة إلى أخرى ومن أحياء سكنية لأحياء أخرى، التي تترك أثراً كبيراً في المشكلة. من هنا يأتي السؤال الأهم في الموضوع: ما هي المشكلة التي تستهدفها البلديات والأمانات وهل عبر البيان عن جوهر المشكلة؟

إذا كانت المشكلة تكمن في رفض مبدأ هذا النوع من التأجير والاستثمار في الوحدات السكنية، فما ذنب صغار المستثمرين الذين حصلوا على تراخيص منذ البداية من جهات رسمية مثل التي وضعت بدورها اشتراطات لضبط وجودة هذا النشاط؟ ومن يعوض هؤلاء المستثمرين الصغار بعدما استثمروا ما لديهم واقترضوا من البنوك في سبيل تأمين مصدر عيش لهم ودخل لأسرهم؟

وإذا كانت المشكلة تكمن في عدم وجود تراخيص من البلدية، جنباً إلى جنب تراخيص السياحة، فلماذا لا تتم إعادة دراسة مبالغ تراخيص البلدية المرتفعة، لتكون بمتناول أصحاب العقار وصغار المستثمرين الذين اضطروا ربما لتقسيم وحداتهم السكنية أمام حاجة إسكان أحد أفراد الأسرة لعدم القدرة على تأمين سكن، أو تحت ضغط تأمين دخل إضافي يساعدهم في التغلب على كثرة الالتزامات المالية وغلاء المعيشة؟

وإذا كانت المشكلة تتصل بالتشوه البصري الذي قد يطرأ على الشكل الخارجي للمباني للتعديلات والتغييرات، أو ازدحام مواقف السيارات في بعض المواقع، أو الجوانب الفنية والبنية التحتية فهذه قضايا يمكن معالجتها كحالات فردية بذاتها في رأيي، دون حاجة لتعميمها على هذا النشاط والأعمال ككل.

أما إذا كانت المشكلة تكمن في «المافيات المستترة» التي تعمل ما بين المالك والمستثمر النهائي من صغار المستثمرين، وهي في الغالب من جنسيات غير سعودية حسبما فهمت، فهذا هو لب الموضوع والمشكلة الحقيقية التي أستغرب خلو البيان منها، والتي يجب مكافحتها والقضاء عليها في أسرع وقت بتضافر الجهود بين الأجهزة الرسمية المعنية، لأنها تعيث في هذا النشاط فساداً ولا يهمها الجانب الاجتماعي أو البيئي أو العمراني والفني وجودة الخدمة، فقط يهمها «اكسب واهرب».

إن القضاء على مافيا استثمار الإفراط بتقسيم المباني، التي تحول بين صغار المستثمرين وملاك العقار، كفيل بإعادة الأمور إلى نصابها، وإعادة هذا النوع من الاستثمار إلى مساره الصحي والصحيح، والقضاء على كل آثاره السلبية التي نتجت عنه.

من هنا، أعتقد بأهمية إعادة تقييم وتقويم الحملة التي تقوم بها البلديات والأمانات بالشراكة مع الأجهزة المعنية والتحلي بالواقعية، بحيث يتم استهداف المافيا المتسترة التي تعمل ما بين مالك العقار وصغار المستثمرين المرخصين من السياحة وغيرها، والحد من التحامل المالي على صغار المستثمرين في هذا النشاط.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا