في لحظة سياسية مشبعة بالتحولات الإقليمية والتقلبات الدولية، يطلّ مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ليؤكد أن النهج السعودي يقوم على ثنائية الثبات والتجديد؛ ثبات في المبادئ وصمود في القضايا المحورية، وتجديد في الأدوات والسياسات لمواكبة متغيرات المشهد العالمي. وهنا تتجلى المملكة كلاعب إستراتيجي، يصوغ مسارات التوازن الإقليمي، ويؤسس لمنظومة نفوذ ترتكز على الدبلوماسية الفاعلة والاقتصاد القوي والقوة الناعمة.
مركزية لا تتزحزح:
تصدّر ملف القضية الفلسطينية جدول أعمال المجلس، تأكيد على أن الموقف السعودي ليس رد فعل آنياً، بل التزام إستراتيجي ممتد منذ تأسيس الدولة الحديثة. رفض المجلس القاطع لأي إجراءات أحادية تستهدف تغيير الوضع القانوني للقدس أو فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، جاء متزامناً مع الترحيب بإعلان فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين، وهي رسالة سعودية مزدوجة: دعم الجهود الدولية التي تعزز حق الفلسطينيين في تقرير المصير، رفض كامل لأي مسار يكرّس الاحتلال ويتناقض مع قرارات الشرعية الدولية.
هنا تتحرك السياسة السعودية من مربع البيانات التقليدية إلى منظومة دعم سياسي ودبلوماسي، توازن بين حشد المواقف الدولية وتعزيز الضغط القانوني على إسرائيل، في إطار إستراتيجية ترسخ الأمن الإقليمي على قاعدة العدالة.
النفوذ الاقتصادي:
التأكيد على الاتفاقيات الاستثمارية الموقعة مع سورية، والتي تجاوزت قيمتها 24 مليار ريال عبر 47 اتفاقية، يكشف التحول السعودي من منطق المساعدات التقليدية إلى بناء شراكات اقتصادية مؤسسية. هذا النهج ليس استثماراً مالياً فحسب، بل أداة جيوسياسية لإعادة إدماج سورية في منظومة الاستقرار الإقليمي من خلال الاقتصاد، بما يحد من تغلغل النفوذ الخارجي ويعيد صياغة خرائط المصالح.
السياسة الاقتصادية السعودية هنا تتجاوز البعد التنموي إلى وظيفة النفوذ الإستراتيجي، حيث يتحول الاستثمار إلى أداة للتأثير في اتجاهات القرار والسياسات الإقليمية، منسجماً مع مقولة أن «من يملك مفاتيح التنمية، يملك مفاتيح القرار».
الدبلوماسية المتوازنة:
إعلان المملكة استمرار جهودها لترسيخ السلام في الشرق الأوسط وتوسيع دائرة الاستقرار، لم يكن مجرد بيان بروتوكولي، بل هو تجسيد لفلسفة السياسة السعودية القائمة على إنتاج التوازن وسط التناقضات. فالمملكة تنطلق من قاعدة «بناء الجسور لا الحواجز»، وهي قاعدة تمنحها مرونة في التعامل مع الأقطاب المتنافرة، دون التفريط في الثوابت.
هذا النوع من القوة الناعمة يعزز مكانة المملكة كـ«مُنتِج للاستقرار» لا كمستفيد منه فقط، وهو ما يرسخ مفهوم القيادة الإقليمية ذات الامتداد الدولي، حيث ترتكز السياسة على إدارة الصراعات بتقليل حدتها، لا على تأجيجها.
المشهد الذي رسمه مجلس الوزراء يكشف عن تحول نوعي في فلسفة السياسة السعودية؛ من دور الموازن التقليدي إلى دور الصانع الفاعل للمعادلات الإقليمية والدولية.
إنها سياسة تستند إلى ثلاثية القوة: ثبات الموقف في القضايا العربية والإسلامية، الاقتصاد كأداة نفوذ في العلاقات الدولية، الدبلوماسية المتعددة الأبعاد التي تجعل من المملكة مركز ثقل في معادلة الاستقرار العالمي.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.