إن مراجعة هذه التجربة تقود إلى إدراك أن الدبلوماسية تظل الأداة الأكثر واقعية وأمناً في منطقة اتسمت بعدم الاستقرار عقوداً طويلة. فالخبرة التاريخية تؤكد أن التفاوض والحوار نجحا في انتزاع الحقوق أكثر مما حققته المواجهات العسكرية أو الخطابات الحماسية. الدبلوماسية، بمرونتها وعمقها، أثبتت أنها ليست بديلاً عن القوة فحسب، بل وسيلة لتحويل التوازنات إلى مكاسب ملموسة.
لقد استنزفت الشعارات طويلاً الوعي العربي، إذ جرى توظيفها غطاءً للعجز، أو بديلاً عن السياسات الفعّالة. ومع مرور الوقت، تكشّف زيف هذه العبارات الرنانة أمام الرأي العام، الذي بات أكثر قدرة على التمييز بين الكلام الفارغ والإنجاز الحقيقي. يمكن القول إننا أمام لحظة نهاية الشعارات؛ لحظة يكتشف فيها المواطن العربي أن التغيير لا يأتي من الانسياق وراء خطابات عاطفية، بل من سياسات عقلانية تضع المصلحة العامة فوق الاعتبارات الآنية.
لقد ظل الوعي الجمعي العربي أسيراً لسرديات سلبية تحاصر إمكاناته بدل أن تطلقها. هذه السرديات لم تُنتج حلولاً بقدر ما صنعت مزيداً من العراقيل. ومع ذلك، فإن تجارب التاريخ تثبت أن الأمم قادرة على إعادة بناء ذاتها متى ما توافرت الإرادة لقطع الصلة مع الخطاب الماضوي واستبداله برؤية عملية قائمة على التنمية والعدالة والدبلوماسية الفاعلة.
وفي خضم هذا المشهد الملبّد بالتحديات، تبرز مؤشرات تمنح الأمل. يكفي أن نتوقف عند ما جرى تحت قبة الأمم المتحدة في نيويورك، حيث قاد وزير الخارجية السعودي جهوداً حثيثة لنيل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين. هذا المشهد يختصر دروساً عميقة: أن العمل الدبلوماسي العربي، حين يكون منظماً ومستنداً إلى رؤية استراتيجية، قادر على إعادة الاعتبار للحقوق التاريخية وإحياء الأمل في مستقبل أكثر عدلاً.
إن الرسالة الأهم التي ينبغي استخلاصها هي أن الأمة العربية، قبل أن تنشغل بأعدائها الخارجيين، تحتاج إلى مراجعة ذاتها بعمق. فحين تتجاوز ضعفها الداخلي، وتتحرر من أسر الشعارات العقيمة، وتستثمر في أدوات القوة الحقيقية من تنمية ودبلوماسية، ستكتشف أن الطريق إلى المستقبل ليس مسدوداً. وما حدث في نيويورك ليس سوى إشارة إلى أن الغد، مهما بدا صعباً، يمكن أن يحمل ما يبعث على الاطمئنان.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.