29 سبتمبر 2025, 4:19 مساءً
في لحظة من لحظات الصباح المزدحمة، يتأهب الناس لبداية يوم جديد، يولد سؤال فلسفي عميق: ما قيمة الحضور إن لم يُعترف به؟ وما جدوى الجهد إن ضاع بين أعطال التقنية وانتظار مرهق؟ قد يبدو الأمر أشبه بمفارقة وجودية؛ الإنسان حاضر بجسده ووقته، لكنه غائب على شاشة لا تعكس وجوده. هناك يتقاطع الحضور مع الغياب، يضيع المعنى بين الواقع والافتراض، وتصبح الحقيقة عالقة في فجوة لا يراها إلا من يعيشها.
هكذا هو حال معلماتنا ومعلمينا كل صباح.. تلك الفئة التي تعد العمود الفقري لأي مجتمع ناجح، وحماة عقول الأبناء وصناع الجيل القادم. يدخلون مدارسهم في وقت مبكر مستعدين للشرح والتوجيه، لكنهم يجدون أنفسهم أمام تحدٍ يومي يتمثل في تعطل تطبيق حضوري الذي يفترض أن يكون أداة للتسهيل. فيتحول حضورهم المبكر إلى دقائق طويلة من الانتظار والقلق، وتضيع لحظات كان الأجدر أن تستثمر في الاستعداد لشرح الدروس والتعامل مع الطلاب.
والمشكلة الأكبر أن هذا العطل لا يضيّع وقت المعلم فقط، بل يشوش ذهنه في لحظة هو أحوج ما يكون فيها للتركيز. فيصبح تفكيره منشغلا بالتطبيق الذي لا يعمل، بدل أن ينصب على إيصال المعلومة للطلاب أو احتواء مواقف الفصل. وهنا ينعكس القلق على قدرته التعليمية، فيفقد الدرس حيويته، ويشعر الطالب قبل المعلم بأن هناك خللا غير مبرر. وهذا الخلل النفسي لا يتوقف عند المعلم وحده، بل ينتقل إلى الطالب الذي يبدأ يومه بشعور من الفوضى والارتباك، فيرتبط التعليم عنده بالقلق بدل أن يرتبط بالشغف.
ولعل ما يغيب عن الصورة أحيانًا أن الطالبات والطلاب أيضًا يتأثرون مباشرة؛ فبدل أن تبدأ الحصة بانطلاقة هادئة ومنظمة، يجدون أنفسهم في أجواء من التوتر والارتباك، لتضيع دقائق تعليمية ثمينة. وإذا جمعنا ما يُهدر من وقت يوميًا على مستوى آلاف المدارس والمعلمات والمعلمين والطالبات والطلاب، سندرك أن الأمر ليس بسيطًا، بل هو هدر تعليمي وزمني واقتصادي لا يمكن تجاهله.
لسنا ضد التطوير ولا ضد إدخال التقنية في التعليم، بل نحن أكثر من يرحب بها ويدرك أثرها الإيجابي، لكن التطوير حين يتحول إلى عائق يومي يرهق المعلمين، فإنه يفقد رسالته معناها. هذه الفئة التي تستحق الأفضل يجب ألا ترهق كل صباح بما يعطل رسالتها.
المطلوب اليوم أن تتحرك وزارة التعليم بشكل عاجل لإيجاد حلول عملية وواقعية، تبدأ من تحسين البنية التقنية للتطبيق وزيادة قدرته على استيعاب الضغط، وتمر بتوفير منصات بديلة مرنة، وتنتهي بدعم فني سريع يحمي المعلمة والمعلم من القلق والارتباك. ومن بين الحلول المهمة أيضًا اعتماد التوقيع الورقي بشكل مؤقت عند تعطل النظام حتى لا يبقى المعلمة والمعلم معلقَين بين الحضور والغياب، إلى جانب ضرورة إجراء تجارب مكثفة للتطبيق قبل إطلاقه رسميًا لتفادي هذه الأعطال المتكررة. كما أن إشراك الميدان التعليمي بالاستماع إلى ملاحظات المعلمات والمعلمين والطالبات والطلاب، وربطها بعملية التطوير، خطوة لا غنى عنها لإنجاح أي نظام جديد.
إن تجارب الدول الأخرى تثبت أن الأنظمة التقنية لا تطلق إلا بعد مرورها بمراحل تجريبية وتدرجية تضمن فاعليتها، ومن المهم أن نستفيد من تلك النماذج العالمية. ولأن المعلم هو جوهر العملية التعليمية وركيزة الرؤية الوطنية، فإن تهيئة بيئة عمل مستقرة له تعني استثمارا مباشرا في الإنسان، وهو ما تعنى به رؤية السعودية 2030 كأحد أهم مرتكزاتها.
ختام ما أقوله.. المعلمون ليسوا موظفين عاديين، بل هم الذين يُبنى على أيديهم المستقبل، ومن غير المقبول أن يواجهوا ضغوطًا إضافية من تطبيق لا يعمل كما يجب. إن ضمان راحتهم وتهيئة بيئة مستقرة لهم هو استثمار حقيقي في بناء جيل واعٍ ومجتمع قوي، فإن ضاع وقتهم، ضاع مستقبل بناتنا وأبناؤنا، وضاعت معهم طموحات أمة بأكملها.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.