القهوة اليوم لم تعد حكراً على الصباح، بل صارت رفيقة النهار بأكمله. في المقاهي يجتمع الأصدقاء، وفي المكاتب تُحتسى على عجل، وفي البيوت تقدَّم كرمز أصيل للضيافة. هي ما يسبق الحديث في المجالس، وما يفتتح به الشعراء قصائدهم عن الشوق والمحبّة. قال محمود درويش، وهو يرسم صورة القهوة في قصيدته: «خُذ القهوة إلى الممر الضيق، صبّها بحنان وافتتان في فنجان أبيض، فالفناجين داكنة اللون تفسد حرية القهوة». وكأنه يذكّرنا بأن القهوة ليست شراباً فحسب، بل مساحة حرة، يجب أن تبقى نقية ليكتمل سحرها.
للقهوة قيمة تتجاوز لذّتها؛ فدراسات عديدة تربطها بصحة القلب والدماغ، وتقلل من خطر بعض الأمراض المزمنة، شريطة أن تُشرب بوعي. هي حليف السهر، ورفيقة التأمل، وصديقة الكتب. كم من رواية كُتبت على طاولة تتنفس بخار فنجان قهوة، وكم من قصيدة نبتت كلماتها على حوافّ فنجان صغير. حتى الشعراء غزلوها ببيوت شعر خالدة؛ قال أحدهم:
«يا قهوةَ القلبِ، يا سمراءَ في كبدي
ما زلتِ في كلِّ نبضٍ تشعلين دمي»
وفي الضيافة العربية، تبقى القهوة عنوان الكرم ومفتاح الدار. هي التي تُقدّم أولاً، وتُدار مجالسها بتراتيب دقيقة، وكأنها لغة صامتة للترحيب والاحترام. في كل مرة نرفع فيها الفنجان، نحن نشارك طقساً عتيقاً، ونستعيد إرثاً من التواصل الإنساني الممتد منذ قرون.
في يومها العالمي، ربما علينا أن نتأمل القهوة أكثر، لا بوصفها منبهاً عابراً، بل كجسر صغير يصلنا بالآخرين وبأنفسنا، فنجان بعد فنجان، حتى نصبح نحن والعالم شيئاً واحداً، ينهض مع أول رشفة وينام على آخر قطرة.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.