تم النشر في: 05 أكتوبر 2025, 6:33 صباحاً لم يعد الحديث عن البيئة المستدامة رفاهية فكرية أو مجرد شعارات تُرفع في المؤتمرات الدولية، بل أصبح اليوم خيارًا استراتيجيًا يفرض نفسه على كل مؤسسات المجتمع، وفي مقدمتها الجامعات. فالعالم يواجه تحديات متصاعدة في مجالات الطاقة والمياه وإدارة النفايات وتغير المناخ، والمملكة العربية السعودية، من خلال رؤية 2030، وضعت الاستدامة في قلب خططها الوطنية. والسؤال المطروح: كيف يمكن للجامعات السعودية أن تدمج بين التعلم الأكاديمي والبيئة المستدامة لتصبح شريكًا فاعلًا في هذا التحول التاريخي؟ التكامل بين التعلم والبيئة المستدامة تكمن الفكرة في أن يكون التعلم نفسه أداة لتعزيز الاستدامة، بحيث يكتسب الطالب المعرفة والمهارة والقيم المرتبطة بالحفاظ على البيئة في كل مرحلة من مراحل تعليمه. وهذا يتطلب إعادة تصميم البرامج الأكاديمية لتشمل موضوعات مثل الاقتصاد الدائري، إدارة الموارد الطبيعية، الطاقة المتجددة، والمسؤولية المجتمعية. التعليم هنا لا يتوقف عند حدود القاعة الدراسية، بل يمتد إلى التدريب الميداني والمشاركة في مبادرات بيئية داخل الجامعة وخارجها. رؤية المملكة 2030 كإطار ناظم منذ إطلاقها، أكدت رؤية المملكة 2030 على أن التنمية المستدامة ليست مجرد هدف بعيد المدى، بل هي مسار عمل يومي. المبادرات الكبرى مثل السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر تعكس بوضوح هذا الالتزام. الجامعات السعودية مدعوة لتكون في صدارة هذه الجهود من خلال إنتاج أبحاث تطبيقية، وتخريج قيادات شابة واعية بالقضايا البيئية، وبناء شراكات مع القطاعات المختلفة لتحقيق مشروعات مستدامة. آليات عملية لتحقيق التكامل 1. إدماج الاستدامة في المناهج: ليس فقط في التخصصات العلمية، بل أيضًا في كليات الآداب والاقتصاد والإدارة، بحيث تصبح البيئة قضية مشتركة بين جميع التخصصات. 2. البحث العلمي التطبيقي: دعم مشاريع تركز على حلول محلية لمشكلات مثل شح المياه أو الطاقة المتجددة، وربطها بمشروعات التخرج والدراسات العليا. 3. برامج التعلم مدى الحياة: تقديم دورات قصيرة وورش عمل مفتوحة للمجتمع، تجعل من الاستدامة ثقافة ممتدة وليست مادة دراسية عابرة. 4. الحرم الجامعي الأخضر: تحويل الجامعات إلى نماذج بيئية من خلال الطاقة الشمسية، إدارة النفايات، والتوسع في المساحات الخضراء. 5. الشراكات البيئية: التعاون مع الوزارات والشركات والمنظمات غير الربحية لتنفيذ مبادرات مشتركة. 6. مؤشرات الأداء: وضع معايير دقيقة لقياس الإنجاز في مجالات مثل إعادة التدوير أو ترشيد استهلاك الطاقة والمياه. نحو مستقبل أكثر استدامة تكامل التعلم مع البيئة المستدامة ليس خيارًا إضافيًا للجامعات، بل هو ضرورة تمليها التحولات العالمية والتوجهات الوطنية. وعندما يصبح الطالب جزءًا من مشروع الاستدامة، فإنه لا يكتسب معرفة فحسب، بل يصبح حاملًا لرسالة وقيمة تتجاوز أسوار الجامعة لتنعكس على المجتمع بأسره. إن تحقيق التكامل بين التعلم والبيئة المستدامة في الجامعات السعودية يمثل خطوة استراتيجية في مسيرة المملكة نحو المستقبل، وهو تجسيد عملي لرؤية 2030 التي وضعت الاستدامة في صميم خططها. الجامعات قادرة — إذا ما تبنت هذه الرؤية بوعي وإرادة — أن تتحول إلى محركات للتغيير، تصنع الوعي البيئي، وتنتج الحلول العلمية، وتبني جسور الشراكة مع مختلف القطاعات. وعندها فقط، سيصبح الحرم الجامعي ليس مجرد مكان للتعلم، بل نموذجًا حيًا لمستقبل أخضر يتشارك فيه الجميع المسؤولية.