تم النشر في: 08 أكتوبر 2025, 12:34 مساءً تُعد منطقة نجران نموذجًا فريدًا يجسد التناغم بين زراعة أشجار النخيل والبُن في بيئة زراعية غنية بالتنوع الطبيعي والمناخي، لتشكل مزيجًا زراعيًا استثنائيًا يعكس ما حبا الله به المنطقة من مقومات طبيعية متميزة، تشمل تضاريسها الفريدة، ومناخها المعتدل، ووفرة مواردها المائية. وتحتضن منطقة نجران أكثر من (120) ألف شجرة بُن، و(560) ألف نخلة، تنتج أجود أنواع المحاصيل الزراعية ذات الجودة العالية والمذاق الفريد، وتُعد تمور "البياض" و"المواكيل" من العلامات البارزة في إنتاج التمور بالمنطقة، فيما حصدت القهوة السعودية التي تُعرف باسم البُن "التيساني" على أفضل قهوة في مسابقة (سلوفود) للتذوق بالدنمارك بعد حصولها على أعلى تقييم بنسبة 87%. ويوضح المدير التنفيذي لجمعية البُن بنجران علي ظافر آل حارث أن المنطقة تمتلك مقومات زراعية فريدة جعلتها في موقع متقدم ضمن مناطق زراعة البُن والنخيل في المملكة، بفضل ارتفاعها الذي يتراوح بين (1200) و(1400) متر فوق سطح البحر، ما يمنحها مناخًا معتدلًا يسهم في نجاح زراعة البُن، إلى جانب تربتها الغنية ووفرة المياه السطحية العذبة المتجددة من السيول والأمطار الموسمية، التي تدعم نمو النخيل وإنتاج التمور الفاخرة التي تُلبي احتياجات السوق المحلي وتُصدر إلى الأسواق الإقليمية. ويشير إلى أن زراعة البُن في نجران تمثل قصة نجاح معاصرة، حيث أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة مبادرات طموحة لدعم المزارعين وتوسيع المساحات المزروعة بالبُن السعودي الفاخر، إذ تجاوز عدد الأشجار المزروعة حاليًا (120) ألف شجرة، في طريقها للوصول إلى مليون شجرة بحلول عام 2030، مع التركيز على تطبيق أساليب الزراعة المستدامة وإدارة الموارد بكفاءة عالية لزيادة الإنتاج وتحسين جودة الحبوب. ويبين أن أشجار النخيل تلعب دورًا محوريًا في دعم زراعة البُن، إذ توفر الظل والحماية من الظروف المناخية القاسية، وتُسهم في احتباس الرطوبة وتقليل التبخر، مما يعزز كفاءة استهلاك المياه في البيئة شبه الصحراوية، مضيفًا أن تميز نجران بزراعة النخيل والبُن في آن واحد يجعلها المنطقة الوحيدة في العالم التي تجمع بين المحصولين في الحقل نفسه بنجاح، بفضل استثمار المزارعين للعوامل الطبيعية الفريدة وتبنيهم أساليب زراعية عصرية تعزز الاستدامة البيئية والتنمية الاقتصادية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في مجال الأمن الغذائي وتوسيع إنتاج القهوة السعودية. ويتحدث المزارع محمد سعود آل تيسان عن تاريخ زراعة البُن التيساني الذي بدأ قبل نحو 80 عامًا، عندما زرعه والده بأعداد محدودة في مزرعتهم، ونجح في تأقلمه مع بيئة نجران، مبينًا أن المزارعين واصلوا هذه الجهود في توطين زراعة البُن والاستفادة من الأشجار الأم القديمة لاستزراع البذور، حتى وصل عدد الأشجار اليوم إلى (1200) شجرة بُن يتوقع أن تدخل مرحلة الإنتاج في الموسم القادم، مؤكدًا أن نتائج التحاليل المخبرية أثبتت جودة البُن النجراني وقيمته الغذائية. وحقق قطاع الزراعة في نجران قفزات نوعية بفضل الدعم الحكومي المستمر، وتطوير أنظمة الري، واعتماد أصناف نباتية محسّنة، إلى جانب تدريب المزارعين على الممارسات الزراعية الحديثة التي تضمن استدامة البيئة وجودة المنتجات، فيما تواصل التمور النجرانية احتفاظها بمكانتها المرموقة في الأسواق المحلية والدولية. وعلى الصعيد الثقافي والاجتماعي، تمثل زراعة النخيل والبُن جزءًا من الهوية التراثية لنجران، إذ ما زالت الأسر النجرانية تحافظ على صناعة الأدوات التقليدية من سعف النخيل، ما يجعلها امتدادًا حيًا لتراث المنطقة الزراعي، وجسرًا يربط بين الماضي والمستقبل، ويعزز من مكانة نجران مقصدًا زراعيًا وسياحيًا متفردًا في المملكة.