سعدنا بخبر حصول الأستاذ الدكتور عمر ياغي وزملائه على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025، وذلك لكونه أول سعودي يحصل على هذه الجائزة المرموقة، وحُق لنا أن نفخر، وفرحنا جميعًا بهذا الإنجاز غير المسبوق، واستعرضت المواقع الإخبارية وحسابات التواصل الاجتماعي سيرته الذاتية العطرة عن كثب والجوائز التي حصل عليها، وبقي أن نتعرف بشكل مبسط على إنجازه ولماذا حقق هو وفريقه جائزة نوبل للكيمياء؟!القصة بدأت من فضول علمي بسيط، ياغي المتخصص في الكيمياء غير العضوية كان ومازال مفتونًا بفكرة تنظيم المواد كان دائمًا يتساءل:لماذا لا نصمم المواد والمركبات كما نصمم المباني؟!وقاده هذا التساؤل إلى تأسيس علمٍ جديد كان جنينًا في رحم معمله عام 1995، وولد بعد ثماني سنوات وتحديدًا في 2003، حين أعلن عنه وأسماه «الكيمياء الشبكية Reticular Chemistry»، وذلك في ورقته العلمية الشهيرة آنذاك.يقوم الباحثون في هذا العلم ببناء شبكات بلورية صلبة Solid States Crystals ذات مسامات عالية لتكوين هياكل ثلاثية الأبعاد تُسمى الهياكل العضوفلزية (MOFs) يمكن تصميمها مسبقًا تمامًا كما نفعل عند بناء برج من مكعبات الـ LEGO الشهيرة وتعمل هذه المركبات بطريقة (الإسفنج)، حيث يمكنها من خلال ملايين المسامات أن تمتص كميات كبيرة من الماء أو الغازات وتخزنها بكفاءة مذهلة واستقرار غير مسبوق وبانتقائية عالية وبتكلفة مجدية اقتصاديًا!عبقرية ياغي لم تتوقف عند الاكتشاف العلمي، بل تجاوزته نحو التطبيق، فقد طوّر مع فريقه في جامعة بيركلي جهازًا يعمل بالطاقة الشمسية يمكنه من استخلاص الماء من هواء الصحراء الجاف، حيث تمتص المادة المسامية (الإسفنجة) بخار الماء ليلًا، ثم تطلقه صباحًا عند تعرضها للشمس وبذلك يولد الماء الصالح للشرب من حيث لا ماء!مهّد ياغي الطريق أمام الباحثين لبزوغ فجر علمٍ جديد له مئات، بل آلاف التطبيقات، والابتكارات المستقبلية التي ستبنى من وحي هذا العلم ستحل الكثير من المشكلات في مختلف المجالات، مع ياغي لم تعد تكتشف المواد بالصدفة وإنما يتم تصميمها على الورق ابتداءً ثم يحولها الكيميائيون المبدعون إلى حقيقة!قصة عمر ياغي، تذكّرنا بأن الفضول والتساؤل هما الشرارة الأولى لكل إنجاز، وأن الأحلام والتجربة والخطأ هم بداية كل تغيير، اليوم يحتفي به العالم ليس فقط لأنه ابتكر علمًا جديدًا فحسب، بل لأنه أعاد تعريف علاقة الباحث بمجتمعه، علّمنا أن المعمل ليس مكانًا للعزلة، بل نافذة على العالم ولغة لبناء المستقبل وتغيير الحياة للأفضل وترك الأثر، وأن كل أنبوب اختبار قد يكون بدايةً لحلٍّ كبير، وأن الكيمياء حينما تمتزج بالخيال تنتج الحياة.هكذا تحوّل تساؤل ياغي إلى بحث، وبحثه إلى ابتكار، وابتكاره إلى منتج، ومنتجه إلى حل يخدم الإنسانية. إننا حينما نتسلح بالعلم يمكننا أن نجعل الهواء يشرب، والصحراء تُزهر! أخبار ذات صلة