عمليات التجميل.. هروب أم اختيار.. هل هي مرحلة اكتئاب تفضي إلى الانتحار؟ لماذا ارتفعت وراجت عمليات التجميل؟ هل هي بحث عن الكمال أم انعكاس لضغط اجتماعي ونفسي؟«عكاظ» طرحت هذه الأسئلة على المختصين والعلماء؛ للوصول إلى حلٍّ وسط بين المسموح والممنوع في هذا الملف، وكانت البداية مع عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع، الذي قال: إذا كان الغرض من التجميل خلل خلقي طارئ مثل وجود خلل في الأنف كالانحراف أو وجود أي شيء من الأشياء، وكان الغرض الإصلاح كالحاجة إلى اليد والرجل ونحو ذلك، فهذا لا بأس به، والرسول صلى الله عليه وسلم أقر عرفجة بن حرثمة عندما قطع أنفه، وجعل على أنفه أنفاً من حديد فأنتن الأنف وجرى صدأ على الأنف الحديدي، فأشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عرفجة بأن يضع أنفاً من ذهب؛ لأن الذهب لا يقبل الصدأ، وبناء على هذا لا بأس بذلك. ويضيف الشيخ المنيع: أما إذا كان الغرض من التجميل تحسين الخلق نفسه فهذا فيه اعتراض على خلقة الله عز وجل، فلا يجوز، فالله سبحانه وتعالى حلف بالتين، قال تعالى: «والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم»، فلا شك أنه لا يمكن أن يأتي أي تعديل بأفضل من خلق الله، وبناء عليه هذا اعتراض على خلق الله، لا يجوز.في المقابل، يقول البروفسور في الطب النفسي الإكلينيكى الدكتور جمال الطويرقي لـ«عكاظ» حول من يحتاج عمليات التجميل ومن لا يحتاجها، قال تعالي «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ». فأسفل السافلين تعني أن الإنسان خصيم نفسه ويعدل فما نراه الآن من تشوهات عمليات التجميل فضلاً عن التشوه النفسي، وهو أسوأ من التشوه الجسدي لأن التشوه النفسي داخل الإنسان لا يمكن محوه.. ويضيف الدكتور الطويرقي مستدركاً: إن من يحتاج التجميل ثلاث فئات: الأولى من يحتاجها ضرورياً لتجميل الحروق وآثار الحوادث والعيوب الخلقية نتيجة عوامل الولادة أو الحمل أو مشكلات في العين التي تحتاج إلى تصحيح نظر، وكذا الأنف، وهذه العمليات ضرورية. والفئة الثانية تتعلق بعمليات التجميل التي يعتقد بعض الناس أنها تجميلية، وهذه نجدها في أشخاص هم أصلاً لا يحتاجونها، لكن الإنسان يحبذ دائماً أن يكون في كامل الجمال في الشكل، فالشكوى من الشكل مرض نفسي يطلق عليه مرض تشوه الجسم يتسبب في عدم توقف المريض عن التفكير في العيوب أو النواقص التي يتصورها عن مظهره؛ لذلك يرغب في تجديد جسده وشكله وملامحه ويحافظ عليها كأنه لم يأكل الدهر ويشرب منه.أمّا الفئة الثالثة فهم المضطربون نفسياً، وهي فئة كثيرة جداً تعتقد وجود خلل في جزء معين من أجسادها وتحتاج أن تعدله، ودائماً تنتهي هذه العمليات بالفشل، وبعد ذلك إما ينتحر أو أنه يقضي على الجراح!مايكل جاكسونو150 جراحة في الفك!الدكتور جمال الطويرقي يقول: في هذا الزمن نجد أن أكثر الحالات في سن مبكرة نتيجة رغبة الوالدين، إذ يقررأن تغيير أشكال أبنائهم في سنوات المراهقة والطفولة؛ لذلك نسمع ونقرأ في القرآن إبليس عندما وعد «وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ»، فهذا ما يفعلانه الآن، فالإنسان في هذه الحالة خصيم نفسه؛ لذلك نجد أن الأسباب كلها نتيجة اضطرابات نفسية فالشخص لا يحتاج التجميل في شكله ومنظره، وبسبب هذه العمليات ترتفع نسبة الانتحار والاضطرابات الشخصية، وبالتالي من الصعوبة بمكان أن تعالج إنسان نتيجة الحدث الذي يحدث له؛ لأن النتيجة النهائية للتجميل لا تصل إلى تلك التي كان يأمل فيها من خضع لها؛ لذلك ألزمت الهيئة الملكية الأطباء والجراحين في أمريكا وكندا وأوروبا أنه قبل القيام بأي عملية تجميل أن يتم تقييم هذا الإنسان نفسياً: هل هو مصاب باضطرابات نفسية أم بانفصام أم يعاني من إصابة أو خلل في شكله، فإذا كانت هذه الاضطرابات موجوده لا يبادر الجراح بإجراء عملية التجميل فالإنسان المكتئب معرض للانتحار وخير مثال لذلك ما حدث لمايكل جاكسون، إذ خضع لأكثر من 150 عملية تجميل في الفك وفي النهاية أدمن على المخدرات، وأصيب بالاكتئاب ثم مات بـ«الاوفردوس».أحياناً.. الجمال في القبح!يرى الدكتور الطويرقي ضرورة الأخذ بتجربة الهيئة الملكية للأطباء والجراحين في أمريكا وكندا بأن يتم تقييم حالة الراغب في عمليات التجميل نفسياً قبل إجراء الجراحة، فمعظم من خضعوا لها يعانون من اضطرابات نفسية داخلية، إذ يعتقد أنه إذا قام بالإجراء التجميلي وأصبح جميلاً ظاهرياً أنه يصبح جميلاً داخلياً، وهذا غير حقيقي، فالجمال الحقيقي من الداخل لا الخارج.حالة عارضة أم إدمان؟الأخصائي الاجتماعي عبدالله اليامي، يرى أن منصات التواصل الاجتماعي لها دور كبير في التأثير الكبير الذي حدث في الحياة، وهناك جدل واسع حول ضرورات وموجبات وممنوعات عمليات التجميل.ويضيف: إن السوشيال ميديا أسهمت في توسيع الوعي الفكري عبر سهولة التواصل بأشخاص من مختلف أنحاء العالم وسهولة الحصول على المعلومات والوعي بما يحدث من قضايا ومشكلات في العالم، ولا ننسى دوره في النمو الاقتصادي، وأتاحت للمعلنين مردوداً مالياً كبيراً أدى إلى تطور الوضع المالي، لكن بالمقابل كان لها جانب سلبي كبير يظهر أموراً كثيرة منها وأهمها للأسف انعدام الخصوصية، فالبعض يقارن حياته ونفسه بما يراه دون أن يرى الجانب الحقيقي للآخرين، فيتذمر من حياته، والبعض يصل لأن يفقد الثقة بنفسه فيلجأ لأمور لينمي ثقته بنفسه ويثبت بأنه شخص مرغوب ولافت للأنظار فيخضع لعمليات التجميل. ويجب تقنين هذه العمليات؛ لأنها أصبحت تحدث بشكل مبالغ فيه لدرجة أنها أضحت إدماناً لدى البعض. في المقابل قد تكون مثل هذه العمليات لإصلاح بعض العيوب الخلقية أو التي نشأت نتيجة بعض الحوادث وغيرها، وبعضها قد لا تكون للضرورة فتكون بسيطة لا تحدث تغيراً كبيراً، ويقوم بها البعض من أجل تحسين المظهر لزيادة الثقة بالنفس دون المبالغة. أما المبالغة في هذه العمليات وبالذات الكبيرة منها التي تحدث تغييرات في مظهر الشخص فهو أمر مرفوض؛ لأن جانبها السلبي أكبر بكثير، فقد يعرض الشخص نفسه لأمور هو في غنى عنها؛ أولها خضوعه لعمليات التخدير ومضاعفاته التي قد تحدث، وبعضهم يتعرض لنزيف وجلطات أثناء العملية، ولا ننسى أن الجمال الداخلي والروح الطيبة وحسن الأخلاق هي الجمال الحقيقي، وهي مفتاح الدخول للقلوب، والكمال لله.مقاييس الجمال النمطيةالكاتبة شمعة جعفري تقول لـ«عكاظ»: لم يعد مفهوم الجمال مقتصراً على الفطرة والطبيعة، بل أصبح هاجساً يتسابق الناس في سبيله. ومع تطور العلوم الطبية ظهرت عمليات التجميل أحد أبرز مظاهر هذا السعي، فلم تعد حكراً على علاج التشوهات الخَلقية أو إصلاح ما خلّفته الحوادث، بل تجاوزت ذلك لتتحول في كثير من الأحيان إلى وسيلة لتغيير الملامح بشكل جذري. ومن هنا يثور التساؤل: هل عمليات التجميل ضرورة يُحتكم إليها عند الحاجة، أم رفاهية عابرة فرضتها ضغوط المجتمع ومعايير الجمال المصطنعة؟ ونجد أن عمليات التجميل تنقسم إلى اثنين: التجميل العلاجي: ويشمل العمليات التي تهدف إلى معالجة التشوهات الناتجة عن الحوادث أو العيوب الخَلقية، بما يعيد للإنسان قدرته على ممارسة حياته بصورة طبيعية. والتجميل الشكلي: وهو الذي يُجرى غالباً بدوافع جمالية بحتة، بحثاً عن صورة مختلفة أو تقليداً لنجوم ومشاهير، دون وجود داعٍ طبي أو علاجي.وتضيف شمعة: نجد أن دوافع اللجوء إلى عمليات التجميل قد تتنوع بين ما هو صحي، وما هو نفسي واجتماعي. فالبعض يلجأ إليها لضرورة علاجية، بينما يسعى آخرون لتعزيز الثقة بالنفس أو لمجاراة ضغوط المجتمع ومقاييس الجمال النمطية التي يروّج لها الإعلام.ولا شك أن لعمليات التجميل آثاراً إيجابية وأخرى سلبية. فمن أثارها الإيجابية حين تردّ للإنسان صحته أو تجبر كسراً نفسياً نتج عن تشوّه أو إصابة، فهي هنا تعيد للمريض الأمل، وتمنحه القدرة على مواجهة المجتمع بثقة، وتزيل ما يسبّب له القلق والحرج.تشوّه ومضاعفات خطيرةعن الآثار السلبية لعمليات التجميل ترى شمعة، أنها تحمل مخاطر صحية تصل إلى تشوّه دائم أو مضاعفات خطيرة، فضلاً عن تكاليفها المرتفعة، وانتشار الهوس الجمالي الذي يحوّلها إلى إدمان، فعمليات التجميل لها بعد ديني وآخر أخلاقي وقد ميّزت الشريعة الإسلامية في ذلك، فما كان تجميلاً علاجياً كعلاج العيوب أو التشوهات الخَلقية والمكتسبة، وما كان تغييراً لخلق الله لمجرد الزينة؛ فالأول يدخل في باب التداوي المباح، بينما الثاني يثير إشكالات دينية وأخلاقية ترتبط بالرضا بما قسمه الله، وبالحفاظ على القيم الطبيعية للجمال.وتختم شمعة: عمليات التجميل ظاهرة تستحق التوقف عندها ملياً، فهي نعمة حين تُستعمل في موضعها الصحيح، ونقمة إذا تحولت إلى وسيلة للتغيير المبالغ فيه. ومن الحكمة أن يوازن الإنسان بين متطلبات الجسد وحاجات الروح، ويجعل من القناعة والرضا أساساً للجمال الإنساني الأصيل، فالجمال الحقيقي ليس في الملامح وحدها، بل في الروح والقناعة، ومن جعل القرآن والقيم زينة قلبه فقد حاز أجمل صورة وأكمل زينة.للنواعم رأياستطلعت «عكاظ» الآراء حول جدوى عمليات التجميل والتحفظات المحيطة بها، والأفكار المؤيدة لها. تقول السيدة «هدى»: أجد متعتي في العناية بنفسي، وأعتبر التجميل بالنسبة لي رحلة نحو إبراز الجمال لا طمسه، وأحرص دائماً على اختيار ما يتناسب مع شكلي وملامحي ليزيدها حضوراً وإشراقاً، دون أن أفقد جمالي الأصلي. فالتجميل بالنسبة لي لمسات خفيفة تكمّل الملامح، والاعتدال في كل شيء هو سر الجمال. فالبساطة دائماً ما تجعل الجمال أعمق وأجمل، فقد بدأت أبحث عن التجميل منذ 20 عاماً.أما الموظفة فاطمة، فترى أن عمليات التجميل تعتمد على الهدف والظروف، فبعضها لأسباب صحية وبعضها تجميلية، وإذا كان السبب صحياً فهذا يعني للضرورة، وهو شيء منقذ، أما إذا كان تجميلياً بحتاً فأنا لا أفضلها؛ لأن كل إنسان جميل، والله أبدع في خلقه.سارة، من جانبها، ترى عمليات التجميل لا تتعدى حدود الحاجات الشخصية. مثل المرض المزمن في الجلد أو لإخفاء التجاعيد الخفيفة بحثاً عن النضارة.تباين آراء الرجالفي الجانب الآخر أبدى عدد من الرجال آراءهم في عمليات التجميل، فيرى عبدالله سعد أن العمليات التجميلية للرجال أصبحت أكثر قبولاً في المجتمع الحديث، خصوصاً مع التطور الكبير في التقنيات الطبية. فيمكن أن تساعد هذه العمليات الرجال على تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحسين مظهرهم الخارجي، مما ينعكس إيجاباً على حياتهم الشخصية والعملية، أما بندر عيد فيقول: أرى أن يركز الرجال على الصحة العامة أكثر من المظهر الخارجي، فالعمليات التجميلية قد تكون مفيدة في بعض الحالات، مثل تصحيح تشوهات خلقية أو إصلاح آثار حوادث، يجب أن لا تكون الهدف الرئيسي. يجب أن نولي اهتماماً أكبر للصحة النفسية والجسدية بدلاً من السعي وراء الجمال المكتسب.من جانبه، يرى وليد إبراهيم أن العمليات التجميلية للرجال يمكن أن تكون خطوة جريئة ومفيدة إذا تمت بعناية ووفقاً لحاجات الفرد، فهناك العديد من الرجال الذين يعانون من مشكلات تؤثر على مظهرهم وثقتهم بأنفسهم، مثل السمنة المفرطة أو تشوهات الوجه، ففي مثل هذه الحالات يمكن أن تكون العمليات التجميلية حلاً فعالاً لتحسين جودة الحياة وتعزيز الثقة بالنفس.ورطة «قبل وبعد»الكاتب الصحفي جيلاني الشمراني، يرى أن للإعلام دوراً أساسياً في تشكيل وعي المجتمع حيال قضايا التجميل، مؤكداً أن المنصات الإعلامية تقف اليوم «إما أن ترشد وتثقف أو تُشوّش وتروّج لمفاهيم غير سليمة للجمال»، فعمليات التجميل ضرورة في بعض الحالات، مثل إصلاح التشوّهات أو آثار الحوادث والحروق، إذ تسهم في تحسين نوعية الحياة وتعزيز الثقة بالنفس، «لكنها تتحول أحياناً إلى مجرد ترف أو تقليد أعمى، حين يُقبل عليها البعض لمجاراة صور أو موضات دون حاجة طبية أو وعي كامل بالمخاطر».وأشار الشمراني، إلى أن الإعلام الإيجابي يستطيع أن يعزز الثقافة الصحية عبر استضافة الأطباء المتخصصين وتقديم معلومات دقيقة عن مزايا ومخاطر هذه العمليات، بما يضمن اتخاذ القرارات عن معرفة، مؤكداً أن «الإعلام الواعي يبني مجتمعاً يدرك أن الجمال الحقيقي في الصحة والثقة، لا في المقاييس الضيقة أو الصور المعدلة». ويحذّر الشمراني من بعض البرامج النسائية والمنصات الرقمية التي تستضيف غير المتخصصين أو تروّج لعمليات تجميل عبر صور «قبل وبعد» منمّقة، ما قد يوقع الشباب في قرارات غير مدروسة، ويؤثر سلباً في صحتهم النفسية والجسدية.وختم الشمراني حديثه بتأكيد أن «مسؤولية الإعلام أن يفرق بين الحاجة الطبية والترف، وأن يكون أداة توعية، لا وسيلة ترويج غير مهني، حتى يبقى التجميل خياراً صحياً مبنياً على استشارة ومعرفة». أخبار ذات صلة