29 أكتوبر 2025, 7:47 صباحاً
كم مرة شعرت أنك تغيّرت، لكن أحدهم عاملك كما لو أنك ما زلت الشخص ذاته؟ يمرّ الإنسان بمحطات تعيد تشكيله من الداخل، تجارب تُهذّب حدّة المشاعر، وأخرى تُعيد تعريف القوة والضعف في قلبه. ومع ذلك، يظل بعض من حوله عالقين في صورٍ قديمة له، لا يرون منه سوى ملامح ماضية لم تعد تشبهه. يتعاملون معه كما اعتادوا، لا كما أصبح، وكأنهم ينسون أن النضج ليس إعلاناً يُنشر، بل تحوّل هادئ يحدث بصمت، في الليالي التي تغيّرنا أكثر مما نظن.
لكن المؤلم حقاً ليس أن يراك الآخرون كما كنت، بل أن يُصرّوا على إبقائك في تلك الصورة السابقة، وكأنك لا تملك حق التغيير. كلماتهم العابرة "ما تغيّرتِ"، "دائماً حسّاسة"، "ما زلت مثل قبل" تبدو بسيطة، لكنها تحفر في الوعي شعوراً بأننا مهما تطوّرنا، هناك من سيُذكّرنا بما كنّاه يوماً، فيعيدنا خطوة إلى الوراء.
يُفسّر علم النفس هذا الميل بوصفه أحد مظاهر "الثبات المعرفي"، وهي نزعة تجعل الإنسان يبحث عن الاستقرار في تصوّراته. فالعقل يجد راحته في الصور المألوفة، حتى لو لم تعد واقعية. لذلك، حين نُغيّر أو ننضج، يحاول البعض من دون وعي أن يُعيدنا إلى الإطار الذي يعرفه كي يحافظ على توازنه الداخلي. غير أن ثبات الصورة في أذهانهم قد يعني لنا سجناً صامتاً، يمنعنا من إعادة تعريف ذواتنا بحرية.
ولأن هذه النزعة جزء من الطبيعة البشرية، فإن أثرها يتسلل إلى تفاصيل حياتنا اليومية أكثر مما نظن.
فالأب الذي ما زال يخاطب ابنه بلهجة الطفولة لا يرى الرجل الذي أصبح عليه، بل يحدّث الطفل الذي كانه. والأم التي تظن أن ابنتها لا تزال بحاجة لتوجيه دائم، تنسى أنها أمام امرأة نضجت بما يكفي لتختار وتخطئ وتتعلم. وصديقة قديمة ما زالت تراكِ بتلك الحساسية الأولى، تتعامل معك كما لو أنك لم تتجاوزي هشاشتك بعد. وحتى في بيئة العمل، هناك من لا يرى فيك سوى المتدرّب الذي بدأ للتو، متناسياً التجارب والمواقف التي صقلتك. بل إننا أحياناً نقسو على أنفسنا بالطريقة ذاتها، حين نحاكم ذواتنا الجديدة بعيننا القديمة، ونُعيد تذكير أنفسنا بأخطاء تجاوزناها منذ زمن، وكأننا نخشى الاعتراف بأننا تغيّرنا فعلاً.
تبدو هذه المواقف بسيطة، لكنها تُراكم في داخلنا شعوراً بالاختناق، وتُعيدنا إلى أماكن لم نعد ننتمي إليها. ومع مرور الوقت، ندرك أن التغيير الحقيقي لا يُقاس فقط بما حققناه من نضج، بل بقدرتنا على المضيّ قُدمًا رغم من يحاول بوعي أو بدونه إعادتنا إلى الوراء.
ومع كل ذلك، يبقى أجمل ما في التغيير أنه لا يحتاج تصديقاً من أحد. نُكمل طريقنا بلا حاجة لتبرير ما تغيّر فينا. نثق أن من يرى، سيلحظ، ومن لا يريد أن يرى، فليس علينا أن نُقنعه. امضِ كما أنت الآن، لا كما يذكّرك الآخرون أنك كنت، فالنهر حين يغيّر مجراه، لا يفعل ذلك استعراضاً، بل لأنه وجد طريقاً أنسب لحقيقته.
انضج كما تشاء، ولا تلتفت لمن يذكّرك بما كنت عليه، فأنت لا تُدين لأحدٍ بشرح مراحل نضجك، ولا بتفسير سبب تغيّرك. يكفي أنك تعلم أن ما فيك اليوم نتاج ما مررت به بالأمس، فامضِ بثقة، واتركهم يكتشفونك من جديد حين يضيع صدى صوتك القديم في اتساعك الجديد.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
