في اكتشاف أثري مذهل يعيد كتابة تاريخ الأمريكتين، كشفت عالمة الآثار البيروفية الشهيرة روث شادي (78 عاماً) أدلة جديدة تثبت أن حضارة كارال، أقدم حضارة معروفة في الأمريكتين، نجت من جفاف مدمر قبل 4200 عام دون اللجوء إلى العنف أو الانهيار. وبحسب صحيفة «الغارديان» ترك السكان مدينتهم الأصلية وأسسوا مستوطنات جديدة، محملين بفنونهم وتقنياتهم، ونحتوا نقوشاً جدارية تحكي قصة الجوع والنجاة، كرسالة تحذيرية للأجيال القادمة: «لا تنسوا شدة التغير المناخي الذي دمر مجتمعنا». مدينة الأهرامات قبل 5000 عام تأسست كارال في وادي سوبي شمال ليما نحو 3000 ق.م، مع 32 مبنى ضخماً، ساحات دائرية غائرة، وأنظمة ري معقدة، ما جعلها معاصرة لحضارات بلاد الرافدين ومصر والهند والصين. لكن قبل 4200 عام، ضرب جفاف هائل –ربما جزء من «الجفاف الكبير 4.2 ألف عام» الذي أنهى حضارات في الشرق الأوسط ووادي السند– أجبر السكان على الهجرة. وانتقل آلاف إلى فيشاما غرباً على ساحل المحيط الهادئ الجاف، حيث اعتمدوا على الصيد البحري والزراعة في وادي نهر هواورا، وإلى بينيكو شرقاً، على بعد 16 كيلومتراً في وادي سوبي نفسه، بين 1800 - 1500 ق.م، حملوا معهم أسلوبهم المعماري: أهرامات معبدية، ساحات دائرية، ونقوش ثلاثية الأبعاد تحكي قصتهم. نقوش جدارية درامية في معبد فيشاما على منصة مرتفعة في الصحراء، اكتشف الفريق نقوشاً مذهلة تمثلت في: -جدار أول: جثث نحيلة، وبطون غائرة وعظام بارزة تمثل ضحايا الجوع. -جدار ثانٍ أعلى: نساء حوامل، راقصون طقوسيون، وسمكتان كبيرتان. -جدار أعلى: وجه ضفدع بشري يخرج من الأرض بأيدٍ بشرية، يُضرب رأسه بصاعقة. وتقول شادي أمام هرم المعبد: «بعد الموت والجوع، يظهر الضفدع معلناً عودة الماء، كرمز للخصوبة والأمطار». وفي نقش آخر، أفاعي (رمز الماء) تلتف حول وجوه الموتى، وتحتها كائن مرح يشبه أخطبوطاً يمثل «بذرة الفرح» ووعداً بحصاد جديد. وفي بينيكو، وجد 18 مبنى سكنياً تشبه كارال تماماً، مع أدلة على تجارة مزدهرة: عظام قرود وطيور ماكاو من الأمازون، فخار يصورها، أصداف من إكوادور، وأطعمة متنوعة مثل أسماك المحيط، قطن، بطاطا حلوة، أفوكادو، ذرة، قرع، وفلفل حار. وفي سياق متصل، يقول كبير علماء الآثار في بينيكو ماورو أوردونييز: «التنظيم السياسي-الأيديولوجي واضح، وغياب أي دليل على عنف». مجتمع مسالم متساوٍ وكشفت تماثيل طينية غير محروقة رجالاً ونساء ذوي مكانة بوجوه مطلية حمراء وشعر مصفف، دليلاً على مساواة الجنسين، إضافة إلى أبواق بحرية (پوتوتو) مزخرفة في الساحة الرئيسية ترمز للسلطة، ولا تزال مستخدمة في طقوس الأنديز كرمز للهوية والمقاومة. وتقول كبيرة علماء فيشاما تاتيانا أباد: «الإسبان اعتقدوا أن هذا لم يكن حضارة، لكن البحوث تثبت أن الكتابة أو العجلة ليست ضرورية لمجتمع معقد». بينما تؤكد روث شادي أن البيروفيين يمكنهم التعلم من أسلافهم «العيش في تناغم مع الطبيعة»، خصوصاً مع تغير المناخ الحالي. اكتشاف شادي لكارال عام 1994 أذهل العالم، وهذه الأدلة الجديدة تثبت أن الحضارة لم تنقرض بل تكيفت سلمياً، محافظة على تجارة واسعة مع الساحل والأنديز والأمازون.