13 نوفمبر 2025, 12:00 مساءً
في زمن أضحت فيه كرة القدم صناعة تتجاوز حدود المستطيل الأخضر، إذ لم يعد اللاعب مجرد رياضي يسعى إلى المجد، بل تحول إلى عجلة في آلة ضخمة تدور بلا توقف بحثًا عن المزيد من العوائد والمشاهدات والعقود الإعلانية، وتتسابق الاتحادات والأندية لزيادة عدد البطولات والمباريات، فيما يدفع اللاعبون الثمن من صحتهم الجسدية والعقلية بين ضغط الجماهير، وجداول المباريات المزدحمة، والمكاسب الاقتصادية الهائلة، الأمر الذي يشكل تحديًا كبيرًا حول قدرة اللعبة الشعبية الأولى على تحقيق توازن عادل بين الأرباح الاقتصادية والحفاظ على صحة اللاعبين وجودة المتعة الرياضية.
ركض بلا توقف
في موسم 2023 - 2024 خاض نجم مانشستر يونايتد الإنجليزي الدولي البرتغالي برونو فرنانديز أكثر من 65 مباراة رسمية مع فريقه ومنتخب بلاده في مختلف البطولات بمتوسط مباراة كل أربعة أيام تقريبًا ، وفي مايو 2025 وبعد أن أنهى مانشستر يونايتد مباريات الموسم غادر الفريق فورًا في جولة ودية الى ماليزيا وهونج كونج لجلب ايرادات للنادي ولعب الفريق مباراتين شارك فيها برونو فرنانديز عاد بعدها للبرتغال ليشارك مع منتخب بلاده في بطولة دوري الأمم الأوروبية التي تمكنت البرتغال من تحقيق لقبها بعد الفوز بركلات الترجيح على اسبانيا في النهائي الذي أقيم في الثامن من يونيو الماضي.
واستحدث الاتحاد الأوروبي بطولة دوري الأمم الاوروبية في عام 2018 لتقام كل سنتين بين بطولتي كأس الأمم الأوروبية " اليورو " وكأس العالم بحجة استبدال المباريات الودية الدولية بمباريات أكثر تنافسية، ويكمن الغرض الحقيقي من ذلك تحقيق مردود مالي أكبر في القارة الأقوى كرويًا.
ولم يكن فرنانديز الوحيد الذي شارك في مباريات كثيرة خلال موسم واحد، إذ شارك نجمي ريال مدريد جود بيلينغهام وكيليان مبابي في أكثر من 60 مباراة خلال الموسم ذاته، وهي أرقام كانت تُعدّ استثنائية في حقبة التسعينيات، لكنها اليوم أصبحت القاعدة.
هل تحولت الأندية لكيانات تجارية
في أحدث تقرير لشركة ديلويت البريطانية أشار إلى أن " أندية المال "وهي الأندية الأوروبية في الدوريات الخمس الكبرى الأكثر تحقيقًا للدخل ، تمكنت من تحقيق ايرادات اجمالية بلغت 11.2 مليار يورو خلال موسم “24-2023“ بنسبة زيادة بلغت 6% بالمقارنة مع موسم "2023-2022".
وبلغ متوسط الايرادات لكل نادٍ من بين "أندية الأموال" حوالي 560 مليون يورو تم اكتسابها من خلال 3 مصادر وهي: عوائد "يوم المباراة" وتشمل مبيعات التذاكر والضيافة والخدمات المقدمة في الملعب، وعوائد البث التلفزيوني، والايرادات التجارية مثل الرعايات والتسويق وبيع منتجات النادي والأنشطة الرقمية والعقود التجارية.
وأوضح التقرير أن ريال مدريد الاسباني أصبح أول نادي يحقق مليار يورو خلال موسم واحد تحديدًا في موسم "24-2023“ ويعزى ذلك النجاح لتوسعة وتجديد ملعب البرنابيو الذي أسهم في تحقيق تدفقات كبيرة في يوم المباراة والايرادات التجارية.
وحل مانشستر سيتي ثانيًا باجمالي ايرادات بلغ 837 مليون يورو يليه باريس سان جيرمان الفرنسي باجمالي بلغ 805 مليون يورو، ثم مانشستر يونايتد باجمالي 770 مليون يورو ، وبرشلونة الاسباني خامسًا باجمالي بلغ 760 مليون يورو.
ويبرز هذا التقرير بوضوح كيف أصبحت العوائد الاقتصادية مقدمة على النجاحات الرياضية فتحقيق الايرادات بات يعكس القوة المالية للأندية التي تخرج من الموسم خالية الوفاض من البطولات بينما تضخمت أرباحها ، مما جعل البعض ينظر لكرة القدم أنها أصبحت صناعة مالية أكثر من كونها لعبة ممتعة.
وفي هذا الصدد انهال المدرب الهولندي لويس فان غال بالانتقادات اللاذعة لفريقه السابق مانشستر يونايتد ووصفه بأنه نادي تجاري يركز على العقود والرعايات التجارية أكثر من تحقيق البطولات وتطوير الفريق، بعد ترنح الفريق الانجليزي العريق منذ اعتزال مدربه التاريخي السير أليكس فيرجسون.
استنزاف بدني
أوضحت دراسة صادرة عن اتحاد اللاعبين المحترفين في عام 2024 حول عبء عمل اللاعبين والتي شملت عينة بحثية مكونة من 1500 لاعب حول العالم، إلى أن 54 % من اللاعبين واجهوا متطلبات عبء عمل مفرط خلال موسم “24- 2023“، بينما ما نسبته 31% من اللاعبين تم استدعاؤهم لقوائم المباريات خلال 55 مباراة خلال الموسم.
وكشف التقرير أيضًا أن بعض اللاعبين لديهم وقت راحة يقلّ عن يوم واحد كاملاً في الأسبوع خلال الموسم، ما يعادل أقل من 12٪ من السنة كفترات “راحة” حقيقية ، خاصة مع تزايد المباريات الدولية للمنتخبات اذ يشير التقرير إلى أن اللاعبين الدوليين قضوا 88 % من وقتهم في بيئة العمل خلال موسم “ 24- 2023 ".
ويعد لاعبي قارة امريكا الجنوبية المحترفين في القارة الأوروبية الأكثر معاناة مع جدول المباريات المزدحم حيث يقول نجم منتخب الأورغواي وريال مدريد فريدريكو فالفيردي أنهم يقضون 12 ساعة طيران ذهابًا وايابًا خلال فترة الأسابيع الدولية.
وتشكل المباريات الدولية للمنتخبات ما نسبته 30% من عدد مباريات اللاعبين خلال الموسم بحسب التقرير.
ويتوقع التقرير أن تزيد عدد مباريات الموسم للاعب الواحد لتبلغ 80 مباراة خلال الموسم مع التوسع في البطولات مثل زيادة عدد الأندية في دوري الأبطال وكأس العالم للأندية ، الأمر الذي يرافقه تزايد في عدد المباريات والسفر مما يرفع مخاطر التعرض للإصابات وتراجع أداء اللاعبين، مشيرًا الى مطالبة 78 % من المدربين و 72 % من اللاعبين بتطبيق فترات راحة مضمنة في تقويم الموسم الرياضي.
مفارقات زمنية
في التسعينات الميلادية كان متوسط عدد مباريات اللاعب المحترف لا يتجاوز 45 مباراة في الموسم تشمل بطولات الدوري والكؤوس المحلية، أما اليوم ومع التنامي التجاري واستحداث بطولات جديدة مثل دوري المؤتمرات الأوروبية وكأس العالم للأندية الموسعة، فقد ارتفع العدد إلى 60-70 مباراة سنويًا لبعض اللاعبين مما يعني أن اللاعبين يشاركون في مباريات تمتد من أغسطس إلى يوليو بلا توقف فعلي.
وهذا ما أشارت إليه كذلك دراسة الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين والتي أوضحت أن اللاعبين الشبان قبل بلوغهم سن 21 عامًا قد شاركوا بمباريات أعلى بكثير مما شاركه اللاعبين السابقين، فعلى سبيل المثال شارك جود بيلينغهام في 251 مباراة قبل بلوغه سن 21 عامًا، بينما شارك ديفيد بيكهام قبل بلوغه سن 21 في 54 مباراة فقط، ولعب الألماني فلوريان فريتز 11.501 دقيقة لعب مقابل 4.175 لمواطنه مايكل بالاك قبل بلوغهما سن 21.
هذه المفارقات تؤكد تصاعد الاستنزاف البدني للاعبين في عصر الرأسمالية الرياضية وباتت العوائد المادية أولوية على حساب صحة اللاعبين ومتعة اللعبة نفسها، فالارهاق الذهني والبدني يؤدي إلى انخفاض الإبداع داخل الملعب وملازمة عيادة النادي نتيجة التعرض للاصابة، ويحوّل المباريات إلى عروض مكررة تفتقر إلى الحماس والإثارة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة عاجل ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة عاجل ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
