هو وهى / انا اصدق العلم

إضافة الفلوريد إلى مياه الشرب: هل هو إجراء صحي أم مثير للجدل؟

يعيش أكثر من 200 مليون شخص في الولايات المتحدة في مناطق يُضاف فيها الفلوريد إلى مياه الصنبور. ووفقًا لأحدث البيانات المتاحة، تعتمد 24 دولة أخرى حول العالم، من بينها المملكة المتحدة والبرازيل وكندا، سياسة فلورة المياه. وفي مناطق أخرى، ينتهي الأمر بالمجتمعات باستهلاك الفلوريد عبر الترسبات الطبيعية في مصادر المياه.

أشادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة بإضافة الفلوريد إلى مياه الشرب بوصفها واحدة من أعظم إنجازات الصحة العامة في القرن العشرين. لكن هذا الإجراء ظل مثيرًا للجدل طوال عقود، إذ يصرّ المعارضون على تسببه بآثار سلبية في الصحة أو الوظائف الإدراكية.

كيف بدأت فلورة المياه؟

تعود جذور إضافة الفلوريد إلى مياه الشرب إلى أوائل القرن العشرين، عندما لاحظ طبيب الأسنان فريدريك ماكاي ظاهرة غريبة في مدينة كولورادو سبرينغز. فقد كانت أسنان السكان تحمل بقعًا بنية مائلة إلى الاصفرار، لكن المدهش أن هؤلاء الأشخاص كانوا أقل عرضة لتسوس الأسنان.

لاحقًا، اكتشف الباحثون أن مصدر هذه البقع يعود إلى احتواء مياه المدينة على مستويات عالية غير طبيعية من الفلوريد. دفع هذا الاكتشاف أطباء الأسنان إلى التساؤل: هل يمكننا الاستفادة من التأثير الوقائي للفلوريد في الأسنان دون التعرض لمشكلة البقع؟

في عام 1945، أصبحت غراند رابيدز بولاية ميشيغان أول مدينة في العالم تُجري تجربة لإضافة الفلوريد إلى مياه الشرب. تابع الباحثون معدلات تسوس الأسنان لدى نحو 30 ألف طفل من أطفال المدارس خلال العقد التالي، وكشفت النتائج أن الأطفال الذين وُلدوا بعد بدء البرنامج كانوا أقل عرضة للإصابة بتجاويف الأسنان بنسبة تتجاوز 60% مقارنةً بأقرانهم الذين وُلدوا قبله.

ما فوائد المياه المفلورة؟

منذ عام 1945، توسّع نطاق إضافة الفلوريد إلى المياه ليصبح ممارسة شائعة في مجال الصحة العامة. وتؤيد منظمات بارزة، مثل الجمعية الأمريكية لطب الأسنان (ADA)، هذه السياسة بقوة، مستندةً إلى دراسات كثيرة تدعم دور الفلوريد في تقليل تسوس الأسنان لدى الأطفال.

يقول نيل مانيار بوصفه أستاذ الصحة العامة في جامعة نورث إيسترن:

“أظهرت الأبحاث أن الفلوريد يقلل كثيرًا من تسوس الأسنان. وضعه في إمدادات المياه يوفر وقاية غير مباشرة تعزز صحة الفم”.

ومع إن معجون الأسنان المفلور يوفر فوائد وقائية مشابهة، يؤكد الخبراء أن فلورة المياه تقدّم ميزة إضافية للصحة العامة. فشرب المياه المفلورة يضمن وجود الفلوريد بمستويات ثابتة في الفم على مدار اليوم، وهو أمر بالغ الأهمية للأطفال الذين ما تزال أسنانهم في طور النمو.

توفّر فلورة المياه أيضًا مستوىً أساسيًا من الحماية للأفراد ذوي الدخل المحدود، الذين قد لا تتاح لهم إمكانية شراء معجون أسنان مفلور بانتظام أو الحصول على رعاية أسنان مناسبة.

يضيف مانيار: “تضمن هذه الطريقة وصول الجميع إلى فوائد الفلوريد بتكلفة منخفضة. فبينما نرى أن الذهاب إلى طبيب الأسنان أو حتى تنظيف الأسنان مرتين يوميًا أمران بدهيان، فإن ذلك يشكل تحديًا في كثير من المجتمعات”.

لكن، في ظل انتشار معاجين الأسنان المفلورة، يثار التساؤل: هل ما تزال فلورة المياه فعالة بالقدر نفسه؟

هل ما تزال فلورة المياه ضرورية؟

أظهرت مراجعة لأكثر من 150 دراسة أن فعالية فلورة المياه في منع تسوس الأسنان قد تراجعت مقارنةً بما كانت عليه في سبعينيات القرن الماضي، بعد أن أصبح معجون الأسنان المفلور واسع الانتشار. ويرجّح بعض الباحثين أن الفلوريد الموجود في معجون الأسنان قد يكون كافيًا، لدرجة أن إضافة الفلوريد إلى المياه لم تعد تُحدث فرقًا جوهريًا.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه المراجعة لم تشمل أي دراسات من دول منخفضة الدخل، حيث قد يكون معجون الأسنان المفلور غير متاح بسهولة. والتحديات المرتبطة بقياس تأثيرات فلورة المياه تجعل تحديد فوائدها الدقيقة على المدى الطويل أمرًا صعبًا.

هل المياه المفلورة آمنة؟

تؤكد مراكز السيطرة على الأمراض (CDC) والجمعية الأمريكية لطب الأسنان (ADA) أن إضافة الفلوريد إلى المياه بمعدل 0.7 ملغ لكل لتر، يُعد مفيدًا لصحة الأسنان، مع وجود مخاطر موثقة محدودة.

لذلك كان الفلوريد محطّ اهتمام كثير من الأبحاث المتعلقة بالسلامة، وما زال موضوعًا للجدل العام. فمن المعروف أن الاستهلاك المفرط للفلوريد قد يؤدي إلى تسمم الفلور، وهي الحالة التي لاحظها ماكاي في كولورادو سبرينغز. يظهر هذا التسمم على هيئة بقع أو تصبغات (بيضاء أو صفراء أو بنية) على الأسنان، لكنه لا يؤثر في بنيتها أو وظيفتها.

أما التعرض المفرط للفلوريد على مدى فترات طويلة، فقد يؤدي إلى حالة أكثر خطورة تُعرف باسم التسمم الهيكلي بالفلوريد التي تتسبب في تصلّب العظام وجعلها أكثر هشاشة، مما يزيد من خطر الكسور.

وفي المراحل المتقدمة، قد تفقد العظام مرونتها، ما يؤدي إلى تشوهات هيكلية ومضاعفات حركية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالة نادرة جدًا، وعادةً ما تُرصد في المناطق التي تحتوي مياهها الجوفية على مستويات عالية جدًا من الفلوريد.

هل يؤثر الفلوريد في معدل الذكاء؟

في السنوات الأخيرة، أثيرت مخاوف بشأن التأثيرات العصبية المحتملة للفلوريد. ففي عام 2024، أصدر برنامج السموم الوطني (NTP) تقريرًا مثيرًا للجدل راجع فيه عشرات الدراسات، وخلص إلى أن التعرض لمستويات عالية من الفلوريد قد يكون مرتبطًا بانخفاض طفيف في معدل الذكاء لدى الأطفال، حيث وُجد فرق يتراوح بين نقطة إلى نقطتين في معدل الذكاء بين الأطفال الذين تعرضوا لمستويات عالية منه وأولئك الذين تعرضوا لمستويات أقل.

لكن كثيرًا من الخبراء يشيرون إلى أن هذه العلاقة ما تزال غير محسومة، وأن العوامل البيئية والاجتماعية قد تؤدي دورًا في هذه الفروقات.

ظلّت فلورة المياه ممارسة معتمدة لعقود، مدعومةً بأدلة قوية على فعاليتها في الحد من تسوس الأسنان، خاصة بين الأطفال. لكن ما تزال التساؤلات حول الحاجة إلى استمرار هذه السياسة مشروعة في ظل توفر بدائل أخرى مثل معجون الأسنان المفلور، إلى جانب الجدل المتواصل بشأن سلامتها.

وفي ، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ما زلنا بحاجة إلى إضافة الفلوريد إلى مياه الشرب؟ أم أن الوقت قد حان لإعادة النظر في هذا الإجراء؟

اقرأ أيضًا:

الأدوية المستخدمة في طب الأسنان

كيف يمكن الاعتناء بأسنان الرضيع؟

ترجمة: أيهم صالح

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا