يعد داء السكري مرضًا معقدًا ومزمنًا، وتتطلب إدارته بطريقة صحيحة الكثير من الجهد، ويبدو أن حالات الاكتئاب أكثر شيوعًا بين الأشخاص المصابين بداء السكري مقارنة بالأشخاص غير المصابين به. فما هي أدوية السكري المرتبطة بأقل خطر للاكتئاب؟
وفي سعي الخبراء لإيجاد أفضل الطرق لمعالجة المشكلة، نُشرت دراسة محاكاة للتجارب المستهدفة (target trial emulation study) في حوليات الطب الباطني حول أثر ناهضات مستقبلات الببتيد الشبيه بالغلوكاغون-1 (GLP-1RA) في خطر الاكتئاب مقارنة بدوائين آخرين يُستخدمان في علاج السكري.
وجدت الدراسة أن (GLP-1RA) التي تباع تحت أسماء تجارية مثل أوزمبيك ارتبطت بانخفاض طفيف في خطر الاكتئاب مقارنة بمثبطات ثنائي ببتيديل ببتيداز-4 (DPP4is)، ولكن بقيت معدلات الاكتئاب متشابهة لدى مقارنتها مع مثبطات ناقل الصوديوم والغلوكوز المشترك-2 (SGLT2i).
يضيف هذا البحث المزيد من البيانات إلى ما يعرفه الخبراء عن (GLP-1RA) وفوائدها المحتملة.
كيف تؤثر بعض أدوية السكري في خطر الاكتئاب؟أراد مؤلفو الدراسة الحالية فحص المزيد من تأثيرات (GLP-1RA) النفسية المحتملة وخاصة كيف ترتبط بالاكتئاب. لذلك قارنت الدراسة (GLP-1RA) مع كل من (SGLT2i) و (DPP4is). ولم يتمكن الباحثون من إجراء توزيع عشوائي لما تلقاه المشاركون من علاج، لكنهم عملوا على محاكاة التوزيع العشوائي بإجراء مطابقة درجة الميل واحدًا لواحد (one-to-one propensity score matching).
سمح لهم ذلك بمطابقة المشاركين بناءً على بعض المتغيرات المشتركة مثل استخدام الأدوية، والحالات المرضية المصاحبة، والعمر. وكان المشاركون على علم بالعلاج الذي كانوا يتلقونه.
كان لدى الباحثين مجموعتان: الأولى من 14665 مشاركًا يتناولون (GLP-1RA) طوبِقوا مع 14665 مشاركًا يتناولون (SGLT2i)، وطابقت المجموعة الأخرى 13711 مشاركًا يتناولون (GLP-1RA) مع 13711 مشاركًا يتناولون (DPP4is).
بلغ المشاركون في هذه الدراسة 66 عامًا على الأقل وكانوا مصابين بداء السكري من النوع 2، ولم يكن لديهم تاريخ سابق للاكتئاب أو داء السكري من النوع 1، أو استخدام مضادات الاكتئاب في العام السابق ولا أي دواء ذي صلة. وفي كلتا مجموعتي المقارنة، كان متوسط عمر المشاركين حوالي 73 عامًا، واستخدم أقل من ثلث المشاركين الأنسولين في خط الأساس.
نظر الباحثون أيضًا إلى البيانات في مجموعات فرعية بناءً على مكونات مثل العمر، ومدة العلاج.
استخدم الباحثون بيانات من مطالبات إدارة برنامج الرعاية الطبية الوطني في الولايات المتحدة. كان المشاركون مُسجلين في أجزاء برنامج الرعاية الطبية A و B و D لمدة عام واحد على الأقل قبل البدء في أي من الأدوية التي فُحصت في هذه الدراسة.
استخدم الباحثون (تحليل النية إلى العلاج)، الذي ينظر إلى العلاج الذي خُصص للمشاركين أصلًا سواء تلقى المشاركون بروتوكول العلاج أو اتبعوه بشكل صحيح أم لا.
انخفاض خطر الاكتئاب بنسبة 10% مع تناول أدوية GLP-1RAخلال الإطار الزمني للدراسة، أصيب 961 مشاركًا يستخدمون (GLP-1RA) بالاكتئاب مقابل 902 مشاركًا يستخدمون (SGLT2i)، ما يُعد عددًا متشابهًا في حالات الاكتئاب في هذه المجموعة.
لكن النتائج اختلفت قليلًا بالنسبة لمجموعة المقارنة الأخرى، فقد أصيب بالاكتئاب 963 مشاركًا يستخدمون (GLP-1RA) مقابل 1075 مشاركًا يستخدمون (DPP4is). ما يعني عمومًا انخفاضًا بنسبة 10% في خطر الاكتئاب لمستخدمي (GLP-1RA) مقارنة بمستخدمي (DPP4is).
ولاحظ الباحثون أيضًا أن زيادة مدة العلاج بتناول (GLP-1RA) مرتبط بانخفاض خطر الاكتئاب.
وفي حديث الطبيب محمود نصار إلى Medical News Today بوصفه حائزًا على دكتوراه لم يشارك في البحث ويعمل في شعبة الغدد الصماء والسكري والأيض في كلية جاكوبس للطب والعلوم الطبية الحيوية في جامعة بافالو، أشار إلى الدراسة قائلًا:
«باستخدام بيانات برنامج الرعاية الطبية الوطني، تستخدم الدراسة تصميم محاكاة تجربة مستهدفة قويًا، وتستفيد من مطابقة درجة الميل الصارمة لموازنة العوامل الديموغرافية والسريرية، وباستبعاد المرضى المصابين بالاكتئاب الموجود مسبقًا أو استخدام مضادات الاكتئاب الحديثة بعناية أيضًا، يقلل التصميم من الارتباك المحتمل بالإشارة (الاقتضاء). الآثار السريرية لهذه الدراسة متعددة الأوجه، ويشير هذا الاكتشاف -الارتباط المحتمل لدواء (GLP-1RA) بانخفاض طفيف في الاكتئاب الحادث مقارنة بدواء (DPP4is)- إلى أن هذه العوامل قد تقدم فوائد مزدوجة: توفير تحكم فعال في نسبة السكر في الدم، مع المساهمة أيضًا في استقرار المزاج. يتوافق هذا مع الأبحاث السابقة التي تدعم استخدام (GLP-1RA) لإدارة الحالات خارج نطاق داء السكري».
ما مدى اتساع نطاق تطبيق نتائج الدراسة؟يحتوي هذا البحث على عدة مكونات تحد من النتائج، إذ يعترف الباحثون مثلًا بكثير من العوامل المربكة المحتملة غير المقاسة التي قد تؤثر في النتائج.
لم يكن لديهم بيانات حول مكونات مثل مؤشر كتلة الجسم (BMI) والهيموغلوبين A1C (مقياس لمستويات السكر في الدم)، ما قد يؤثر في عوامل مثل اختيار المشاركين وخطر الاكتئاب.
لقد شملوا مجموعة واسعة من المشاركين، ما قد يؤدي إلى التحيز، فلم يتمكن الباحثون من معالجة تأثيرات التكتل المحتملة التي قد تحدث على مستوى الموقع السريري بسبب طبيعة الدراسة.
لا يمكن بالضرورة تعميم نتائج الدراسة على جميع الأشخاص الذين يستخدمون (GLP-1RA)، مثلًا: لا يمكن بالضرورة تعميم النتائج على الأفراد الأصغر سنًا لأن هذا البحث ركز على البالغين الذين تبلغ أعمارهم 66 عامًا أو أكثر، وقد لا ينطبق على الأشخاص الذين يستخدمون (GLP-1RA) لفقدان الوزن الذين ليس لديهم داء السكري من النوع 2.
نظرًا لأن الباحثين استخدموا بيانات من مطالبات إدارة برنامج الرعاية الطبية، فمن المحتمل أن بعض المعلومات الصحية قد فاتتهم أو ربما يوجد سوء تصنيف، مثل سوء تصنيف حالات الاكتئاب.
لاحظ الباحثون العديد من القيود المتعلقة بنتائجهم حول كيف أن زيادة الوقت الذي يقضيه في تناول (GLP-1RA) مرتبط بانخفاض خطر الاكتئاب.
أولاً، قد يختار الأشخاص الذين يلتزمون بعلاج (GLP-1RA) سلوكيات صحية أيضًا تقلل من خطر الاكتئاب.
ثانيًا، قد يكون الأشخاص الأكثر عرضة لخطر اضطرابات المزاج أو الاكتئاب أقل عرضة لتناول (GLP-1RA) على المدى الطويل، ما قد يؤدي إلى السببية العكسية.
ثالثًا، السمنة لها ارتباط قوي بالاكتئاب، وقد توصَف (GLP-1RA) للأشخاص الذين يعانون من السمنة في كثير من الأحيان.
لماذا قد تؤدي أدوية (GLP-1RA) إلى انخفاض خطر الاكتئاب؟وقد تحدث موقع Medical News Today إلى الطبيب أندريس سبلينسر أيضًا بوصفه حاصلًا على دكتوراه اختصاص الغدد الصماء المنتسب إلى ميموريال هيرمان ولم يشارك في الدراسة، فقال:
«إذا كان المريض المصاب بداء السكري من النوع 2 يعاني أيضًا من الاكتئاب، فقد يؤثر ذلك في دافعه لتناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة والتأثير في الامتثال لتناول أدويته … ولكن يوجد اليوم الكثير من خيارات العلاج لمرض السكري التي تسمح للمرضى بالبقاء بصحة جيدة وعدم الاضطرار إلى التعامل مع أي مضاعفات السكري في حياتهم طالما أن قيم الغلوكوز في الدم تحت سيطرة جيدة».
وفيما يتعلق بهذه الدراسة، أشار سبلينسر إلى أنها قدمت: «تأكيدًا على أن علاج (GLP-1RA) لدى المرضى الذين تبلغ أعمارهم 66 عامًا أو أكثر قد لا يزيد من خطر الاكتئاب… الأهم من ذلك -وغير مرتبط بهذه الدراسة- هو أن تحسين التحكم في نسبة السكر في الدم والسماح للمرضى الذين يعانون من السمنة بفقدان الوزن يميل إلى تحسين مزاج المرضى ونظرتهم إلى مرضهم. يرتبط المزاج والشهية ارتباطًا وثيقًا (كالأكل تحت الضغط أو الأكل عندما نكون حزينين وطعام الراحة)، فمن فوائد (GLP-1RA) أنها تساعد على التحكم في الشهية والشبع، ما يسمح للمرضى باتخاذ خيارات وجبات أفضل ويصبحون أكثر صحة. لذلك، قد يكون التحسن الطفيف في الاكتئاب الذي لوحظ في الدراسة مرتبطًا بفقدان الوزن، وتحسين مستويات السكر في الدم، وتقليل أعراض السكري، ومن المحتمل وجود شعور عام بأن المرضى يصبحون أكثر صحة».
اقرأ أيضًا:
داء السكري النمط الأول: هل تحفزه العدوى البكتيرية؟
يساعد الصيام المتقطع على التحكم في نسبة السكر في الدم لدى مرضى السكري من النمط الثاني
ترجمة: حسن السعيد
تدقيق: لين الشيخ عبيد
مراجعة: محمد حسان عجك
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.