أسوان – عبد الله صلاحالخميس، 09 أكتوبر 2025 06:00 ص على جزيرة أسوان الساحرة وسط النيل، لا يزال هناك بعض الشواهد الأثرية التى تحكى عبقرية المصريين القدماء فى فهم الطبيعة واستغلال مواردها، بين المعابد والمقابر التى تزين الجزيرة، يبرز أثر فريد من نوعه يُعرف باسم "النيلومتر"، وهو من أقدم أدوات القياس فى التاريخ البشرى، إذ يعود عمره إلى ما يقرب من سبعة آلاف عام، وظل شاهدًا على علاقة المصريين بالنهر الخالد منذ فجر التاريخ وحتى قيام الدولة الحديثة. والنيلومتر، هو مصطلح يطلق على الصخور والكتل الحجرية التى كان يستخدمها القدماء المصريون لتحديد منسوب مياه النيل، خاصة فى مواسم الفيضان والجفاف، كان هذا المقياس أداة بالغة الأهمية فى حياة المصريين، إذ من خلاله كانوا يحددون مواسم الزراعة، ويحسبون الضرائب المفروضة على المزارعين، بناءً على كمية المياه التى تصل إلى أراضيهم وكان الكهنة يتولون مراقبة هذه المقاييس بشكل يومى، ويسجلون ارتفاع أو انخفاض منسوب المياه فى سجلات دقيقة، باعتبار أن فيضان النيل هو شريان الحياة لمصر القديمة. وتنوعت أشكال "النيلومتر" عبر العصور، فمنها ما كان عبارة عن علامات منحوتة على ضفة النهر، ثم تطورت إلى آبار عميقة وسلالم حجرية مدرجة تقود إلى مستوى النهر، يقرأ منسوبها رئيس الكهنة الذى كان يمتلك معرفة علمية دقيقة بعلوم المياه والفلك وكانت تلك العملية ترتبط بالمعتقد الدينى، إذ كان المصريون يعتقدون أن زيادة مياه النيل هبة من الإله "حابى"، رمز الخير والخصب. وظل المصريون القدماء فى عصورهم المختلفة، يستخدمون هذه المقاييس الموجودة فى أسوان، والتى عُرفت باسم "النيلو متر"، بينما امتد استخدامها لمزيد من العصور المتلاحقة عقب الأزمنة الفرعونية واستمر الاعتماد على هذه المقاييس حتى العصر الإسلامى. ومع بداية العصر الحديث، بدأ الاهتمام بالتحكم فى مياه النيل بشكل علمى وهندسى، ففى القرن الحادى عشر الميلادى استدعى الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله العالم العربى "ابن الهيثم" إلى مصر لتنظيم فيضان النيل، وبعد قرون طويلة، جاء محمد على باشا ليؤسس الدولة الحديثة ويقيم أول السدود والقناطر، ثم جاء الخديوى عباس حلمى الثانى ووضع حجر الأساس لخزان أسوان عام 1899، وتم افتتاحه رسميًا عام 1902، ليكون أول مشروع هندسى ضخم يتحكم فى مياه النيل. ومع إنشاء السد العالى فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1964، وانتهائه عام 1971، انتهى عمليًا عصر فيضان النيل الطبيعى، وأصبحت مقاييس النيل مجرد آثار من الماضى تروى قصة أمة عاشت على ضفاف النهر آلاف السنين. وقال الأثرى نصر سلامة، مدير عام منطقة آثار أسوان والنوبة سابقًا، لـ"اليوم السابع"، أن مقاييس مياه النيل كانت من أهم الاختراعات فى التاريخ المصرى القديم، إذ كانت تحدد مصير البلاد اقتصاديًا وزراعيًا، فإذا ارتفع منسوب المياه بشكل كبير كان يعنى فيضانًا يهدد الأراضى والمنازل، وإذا انخفض كان يعنى جفافًا ومجاعة، لذلك كانت هذه المقاييس تمثل نظام إنذار مبكر لحياة المصريين القدماء، واستمرت فى الاستخدام حتى القرن العشرين قبل أن تتوقف مع بناء السدود والخزانات الحديثة. وأضاف "سلامة"، أن مقاييس النيل تعتبر اليوم من الشواهد النادرة على براعة المصريين القدماء فى علوم المياه والهندسة، مؤكدًا أن مقياس جزيرة أسوان لا يزال يحتفظ بجزء كبير من شكله الأصلى، ويعد من المزارات السياحية المهمة التى تجذب الباحثين والمهتمين بالعلوم والتاريخ المصرى القديم. وهكذا، يبقى "النيلومتر" شاهدًا على حضارة سبقت عصرها بآلاف السنين، وورثت للعالم أولى أدوات القياس والدراسة العلمية للطبيعة، ليبقى النيل رمز الحياة والتاريخ والهوية المصرية إلى الأبد. نهر النيل فى أسوان مقياس النيل فى أسوان مقاييس النيل مقاييس النيل القديمة مجرى النيل فى أسوان جزيرة أسوان النيلو متر المراكب فى النيل