عقارات / متر مربع

عبد الفتاح الجبالي : التصدير والبيئة التجارية العالمية

التصدير والبيئة التجارية العالمية
عبد الفتـــــــاح الجبـــــالى

 

أشار البنك المركزى فى بيانه عن أداء ميزان المدفوعات المصرى إلى ارتفاع عجز الميزان التجارى ليصل إلى 9.8 مليار دولار خلال الربع الأول من العام المالى 2024/2025 مقابل 6.6 مليار خلال نفس الفترة من العام الماضى. وهو ما يشير إلى استمرار التراجع فى هذا الميزان، حيث حقق عجزا بنحو 39.6 مليار دولار خلال العام المالى /2024 مقابل 31.2 مليار خلال عام 2022/2023 .

 

وهكذا يتضح لنا انه مازال يشكل أحد القيود الأساسية على حركة ميزان المدفوعات والإقتصاد المصرى ككل، خاصة أن هذا الميزان يعكس الهيكل الإنتاجى للدولة ومدى تطوره، وهو ما يظهر فى المعاملات السلعية وتركيبة السلع الداخلة فى حركة التجارة المصرية.

 

وقد أعلنت الحكومة عن عزمها على حل هذه المعضلة وزيادة الصادرات السلعية من نحو 40 مليار دولار إلى حوالى 145 مليار خلال السنوات القادمة. وهنا يصبح التساؤل المطروح هو عن الكيفية التى يمكن أن نحقق بها هذا الهدف؟ .

سؤال وجواب

وقبل محاولتنا الإجابة عن هذا التساؤل تجدر الإشارة إلى أن التجارية الدولية حاليا غير مستقرة ويكتنفها الغموض بشأن السياسات المستقبلية مع تصاعد التوترات التجارية واتساع نطاق الحماية، حيث بلغت القيود الجديدة على التجارة الدولية فى عام 2024 خمسة أضعاف متوسط السنوات 2010-2019 وفقا لأحدث تقرير للبنك الدولى عن الأفاق الإقتصادية العالمية. كما تراجعت معدلات نمو التجارة الدولية من 5.6% عام 2022 إلى 3% عام 2024.

 

وهنا نلحظ أن الصادرات السلعية مازالت تتسم بالثبات النسبى، الأمر الذى ترتب عليه انخفاض نصيب من الصادرات العالمية. وتكمن خطورة هذه المسألة فى ضوء تراجع نسبة تغطية الصادرات للواردات حيث تصل إلى 45%، والتى تعد مؤشرا مهما على مدى خطورة الموقف.وتزايد أهمية هذه المسألة فى ضوء هيكل الصادرات المصرية، الذى يغلب عليه، حتى الآن، السلع التقليدية التى تستحوذ على 70% من الإجمالى.

 

وعلى الرغم من ذلك فإن المجتمع المصرى لديه من الإمكانات والمزايا التى تمكنه من تحقيق ذلك الهدف، حيث تتمتع القوى العاملة بمزايا الأجور التنافسية التى تتيح للدولة ميزة فى الصناعات كثيفة العمل، كما يسمح المناخ فى مصر لأرضها الزراعية بالتنوع فى المحاصيل، ويتيح لها موقعها المتوسط من حيث قربها من أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأقصى سرعة النفاذ إلى الأسواق ويفتح الفرص أمامها لتكون مركزا للنقل والخدمات الأخرى، وقاعدة تنطلق منها الصادرات إلى المجتمع الدولى ككل. خاصة أنها تملك العديد من الإتفاقات التجارية مع العديد من التكتلات مثل الإتحاد الأوروبى والكوميسا وإتفاقية التجارة الحرة العربية.

 

وهنا يمكننا القول إن زيادة الصادرات ليست ممكنة فى كل الحالات، فهذا أمر يتوقف على مستوى تشغيل عناصر الإنتاج، بمعنى آخر فإذا كانت هناك طاقات عاطلة فى المجتمع فمن الممكن حينئذ زيادة انتاج السلع التصديرية دون تقييد الإستهلاك المحلى شريطة أن يكون الجهاز الإنتاجى القومى قادراً على ذلك دون زيادة فى المدخلات المستوردة.

خلق الصادرات وليس تنمية الصادرات

أى أن الاقتصاد المصرى يحتاج إلى سياسة تصديرية تهدف إلى خلق الصادرات وليست تنمية الصادرات، وهو مالم يتأت إلا عبر خلق الميزة التنافسية التى يمكن أن تتمتع بها الصادرات المصرية. خاصة أن «فكرة المزايا النسبية» التى اعتمدت عليها التجارة الدولية، فيما مضى، قد أصبحت محل شك وجدل كبير بعد أن أدت التطورات التكنولوجية الهائلة إلى ازدياد قدرات الدول على خلق قدرات تكنولوجية جديدة تمكنها من تطوير طاقتها الإنتاجية بما يرفع من معدلات الأداء الداخلى،

 

وتحولت المجتمعات من «المزايا النسبية» إلى «القدرة التنافسية» فى إطار من «المعرفة والعلم» وهما أساس القوة التفجيرية الجديدة التى قذفت بالعالم إلى «آتون التنافس العالمى المرير». وفى التجربة اليابانية، خير دليل على ذلك، فاليابان وفقا لنظرية «الميزة النسبية» كان يجب عليها التخصص فى الإنتاج كثيف العمالة كلعب الأطفال ومنتجات النسيج منخفضة النوعية وغيرها من السلع، ولو اختارت هذا التخصص لظلت على الدوام عاجزة عن الخلاص من الركود والتخلف ولبقيت الحلقة الأضعف فى هذه السلسلة،

 

ولكن اليابان قررت أن تقيم صناعات تتطلب استخداما كثيفا لرأس المال والتكنولوجيا، وهى صناعات كانت تعد، من حيث التكلفة النسبية للإنتاج، غير مناسبة لها مثل الإلكترونيات والسيارات..إلخ، وقد يبدو تشجيع هذه الصناعات متناقضا مع الرشادة الإقتصادية، لكنها تمثل بالتحديد الصناعات ذات مرونة الطلب للدخل المرتفع والتى تتقدم فيها التكنولوجيا بسرعة وتزيد إنتاجية العمل بها. من هنا أصبح المستقبل لأنواع التكنولوجيا المعتمدة على الإلكترونيات والمواد الجديدة والتكنولوجيا الحيوية، والكيماويات الدقيقة وغيرها من الأمور التى أصبحت هى المحرك الأساسى للنمو على الصعيد العالمى.

 

وبالتالى فهناك حاجة إلى سياسات جريئة وبعيدة المدى لإغتنام الفرص غير المستغلة من أجل تحقيق التعاون عبر الحدود، وذلك بالسعى إلى إقامة شراكات إستراتيجية تجارية واستثمارية مع الأسواق سريعة التوسع فى البلدان النامية الأخرى. خاصة بعد تحديث البنية التحتية للنقل والطرق، الأمر الذى يتطلب إصلاح الإجراءات الجمركية لخفض النفقات غير الضرورية وتعزيز كفاءة التجارة.

 

وهكذا فإن السياسة الراهنة مازالت تحتاج إلى تعديل شديد، إذ إنها مازالت قائمة على أساس التوجه الداخلى وتصدير الفائض، مع ما يعنيه ذلك من تأثر الكميات المصدرة بمستويات الإستهلاك المحلية. والأهم من ذلك تدهور أوضاع الإنتاج والإنتاجية بالمجتمع، بحيث لم يعد الجهاز الإنتاجى قادراً على تلبية الطلب (بشقيه المحلى والخارجى) وهو ما يتطلب إعادة تخصيص الموارد المتاحة بالمجتمع بغية جعلها أكثر قدرة على التخصص فى إنتاج سلع التجارة الدولية، عن طريق زيادة ربحية السلع المعدة للتصدير عن ربحية المبيعات المحلية وتغيير هيكل الأسعار النسبية بالمجتمع.

 

وبمعنى آخر فإن العجز المستمر والمتزايد فى الميزان التجارى، هو حصاد لجوانب الخلل الهيكلى فى البنيان الإقتصادى الذى يفرض نفسه على المشكلة النقدية، بحيث يصبح التحرك نحو حل المشكلة الأخيرة، مرهونا بالقضاء على جوانب هذا الخلل؟ وبالتالى فاستخدام أداة واحدة للتصحيح، أمر ضئيل الأثر، فى ظل استمرار جوانب المشكلة الإقتصادية على ماهى عليه. وبالتالى يتطلب الأمر إعادة صياغة السياسة الإقتصادية للبلاد بما يجعلها كفئا لزيادة حصيلة الصادرات وجذب رءوس الأموال من الخارج وزيادة الإدخار لبناء قاعدة اقتصادية للنمو بالبلاد.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا