عقارات / متر مربع

حمدي رزق : هسس الحلال والحرام    

حمدي رزق

 هسس الحلال والحرام
 

لفتنى سؤال ورد لدار الإفتاء، جاء مضمونه: «ما الحكم لو أوصى رجلٌ أن يُدفَن مع زوجته، بالرغم من وجود مقابر خاصة بالرجال، فهل تُنفَّذ وصيته؟».

والإجابة على موقع « الإلكترونى»: «نصَّ الفقهاء على استحباب دفن الأقارب فى مكان واحد؛ لأن ذلك أسهل لزيارتهم والتَّرَحُّم عليهم…».

 

ذكرنى السؤال بوصية أمى، الله يرحمها، بالدفن إلى جوار والدى رغم توافر مقبرة لأسرتها.. أحبته فى حياتها، ولم تشأ أن تفارقه فى المقبرة، تضحك من قلبها، أقله نونس بعض فى الآخرة..

 

استحببتها منها، لم أمارِ فى وصيتها، ولم ألجأ لشيخ يفتينى، قلبى دليلى، وقلبها دلها على ما تحب، وكان لها ما أحبت، وصارت مقبرة والدى هى مقبرة أمى، وأزورها كلما نزلت بلدتى الوادعة «منوف» وأقرأ فاتحة الكتاب مترحما على من ربيانى صغيرا.

 

لافت الطلب المتزايد على الفتوى، والإلحاح عليها. دار الإفتاء وحدها أصدرت نحو مليون و٦٠٠ ألف فتوى العام (٢٠٢٣)، بزيادة نحو ٤٠٠ ألف فتوى عن العام ٢٠٢٢، وفى انتظار زيادة مقدرة فى الحساب الختامى للدار عن العام ٢٠٢٤.

 

نزوع المصريين إلى طلب الفتوى بشراهة مفرطة يشى بأن كثيرين باتوا مقلقلين حلالًا وحرامًا، صار سؤال الحرام والحلال السؤال الرئيس فى حياة الناس، ويخرق السؤال أدق الخصوصيات، وفى قضايا أبعد ما تكون عن الحلال والحرام، أخشى عيشتنا أصبحت بين حلال وحرام.

 

سؤال الحلال والحرام يترجم ما يمكن تسميته «الهسس الدينى» وتعريفه معجميا، صوت الإنسان الخفى، وسواس الحلال والحرام فى الحالة المجتمعية، يعالجونه عادة بسؤال المفتى (الشيخ)، وهذا يحتاج دراسة مجتمعية نفسية معمقة.. أخشى مرضا مجتمعيا عضالا بات مستفحلا.

أقراص (الفتاوى) كأقراص السلفا، تعالج عرضًا موقتا، طمأنة، لا تعالج مرضا مجتمعيا مقلقا، صحيح هذا ليس من أدوار «دار الإفتاء» ولكنها من أدوار مؤسسات بحثية مجتمعية غائبة عن المشهد.

 

هل هناك اجتماعى منطقى وواقعى لزيادة الطلب على الفتوى، هل هى نوبة تدين طارئة، وكأنهم يتعرفون مجدداً على دينهم، على الحلال والحرام، حتى تحية الصباح «صباح الخير» توزن بالحلال والحرام؟!.

 

وما هو جديد الفتوى الذى تكالب عليه المصريون فى السنوات الأخيرة، ما الذى يقلق المصريين دينيًّا إلى حد طلب (٣٥٠٠ فتوى يوميا) من دار الإفتاء، وما الترجمة المجتمعية لزيادة معدلات طلب الفتوى؟.

 

إقبال العامة على طلب الفتوى من دار الإفتاء وغيرها من مؤسسات الفتوى المعتمدة وغير المعتمدة ومن شيوخ الفضائيات يترجم قلقا نفسانيا يعتور الكثيرين، منسوب القلق مرتفع فى الحياض.

 

تديين الحالة المجتمعية هكذا جد خطير، يترجم فرط تدين، معلوم الفتاوى تصدر لأصحابها، وتنشر على العامة، فإذا صدر مليون فتوى، فهناك ملايين يستقبلونها على هواتفهم النقالة، تصدر الفتاوى لتشيع كالوصفات الطبية، التى يبخُّها نفر من (العاملين عليها) على وسائل التواصل الاجتماعى، وخطرها داهم.

 

أخشى من خشية البعض من أنصار الدولة المدنية، سؤال الحلال والحرام، يعطى رجال الدين سلطةً ليست لهم فى تسيير الحياة، وهكذا يتحكمون فى حياة البشر، وإذا استمر حال المصريين فى رهن إرادتهم الحرة فى حجر المشايخ ستكون آثارها وخيمة، تديين الحياة على هذا النحو خطير جدًا، وتسييد المراجع الدينية سيخلّف آثاره السالبة فى مقتبل الأيام.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا