حمدي رزق
دبلوماسية الصبر الاستراتيجي!!
أعلاه من «مسكوكات» وزير الخارجية، الدكتور «بدر عبدالعاطى». الصبر الاستراتيجى عنوان عريض من عناوين الدبلوماسية المصرية، يترجم «طُولْةِ الْعُمْرْ تِبَلَّغِ الْأَمَلْ»، بمعنى إذا لم يبلغ أمله اليوم بَلَغَهُ فى وقت آخر.. متى كان طويل العمر.
فى الخارجية المصرية، عادة ما يطلقون اللفظ ويريدون المعنى، واللفظُ فى نظيره كمثله. التلفظ بكل حرف فى نظيره كالتلفظ به دائمًا، و«طولة البال»، تترجم لغويًّا «نِعْم العدة طول المدة»، كما أورده العلامة «جعفر بن شمس» فى كتاب «الآداب».
تأصيل «الصبر الاستراتيجى» لغويًّا ضرورة لإيضاح المعنى الذى يسكه الوزير عبدالعاطى.. «الصبر الاستراتيجى». الدبلوماسية المصرية مارست وتمارس صبرًا استراتيجيًّا مضنيًا حتى يبلغ الصبر منتهاه.
صبرت طويلًا حتى أنضجت اتفاق غزة. صبرت 15 شهرًا على مماطلات نتنياهو، وكانت كلما اقتربت من اتفاق (بمعونة قطرية صادقة) نقضه «إيتمار بن غفير» بالقصف المفرط، فتعيد القاهرة بناءه، وهكذا دواليك حتى استنقذت أطفال غزة من براثن مسيرات جيش الاحتلال. صبرت القاهرة لأنها كانت تناضل من أجل قضية إنسانية عظيمة، تستاهل الصبر.
الصبر الاستراتيجى تمارسه الدبلوماسية المصرية بدأب وأناة، ولا تيأس، ومكنون الصبر تلخصه العبارة الشعبية البليغة «اصبر على جار السوء..» والبقية معروفة لا حاجة للتكرار.
تمارس القاهرة صبرًا استراتيجيًّا على كافة الاتجاهات والمحاور الاستراتيجية. فى الاتجاه الشمالى الغربى، تجاه الشقيقة ليبيا، وتعمل على اتفاق بين «الإخوة الأعداء» بين الشرق والغرب، ومارست صبرًا استراتيجيًّا فى سياق العلاقات (المصرية- التركية)، وبطول البال عبرت البحر المتوسط، وعادت العلاقات سيرتها الأولى، ما يعكس إيجابيًّا استقرار الأوضاع فى شرق «المتوسط» وفى ليبيا.
وتمارس صبرًا استراتيجيًّا فى الشمال تجاه سوريا، بدعم الدولة الوطنية، والحفاظ على وحدة التراب السورى، ورعاية المصالح العليا للشعب السورى، دون التورط فى محاور أو أحلاف. مصر تخطو فى الأرض الزلقة حذرة سياسيًّا حتى تبين ملامح المشهد السورى (فى طور التشكيل).
وفى الاتجاه الجنوبى، تخشى على وحدة السودان الشقيق، بدعم مقومات الدولة الوطنية، وتبريد جبهات القتال، وجبل «الإخوة الأعداء» على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإنضاج اتفاق يفضى إلى السلام الأهلى، وهو غاية المنى مصريًّا لاحتواء كارثة إنسانية فى مناطق النزوح، واأسفاااااه السودان على شفا جرف هارٍ.
وفى الاتجاه الاستراتيجى (الجنوبى- الجنوبى) لم تدخر مصر وسعًا فى مفاوضات «سد النهضة» طوال عقد من الزمان ويزيد، وقدمت القاهرة حسن النية وزيادة، قدمت (السبت) فى «اتفاق المبادئ الحاكمة لتشغيل السد»، ولكنهم لم يقدموا (أحد ولا اثنين)، بل نكصوا عن عهودهم ووعودهم المكتوبة والمسموعة والمرئية، ويمارسون اجتراء غير مسبوق، يحكون أنوفًا شما، ويلقون بقفازاتهم فى الوجوه!. أخشى من نفاد مخزون الصبر الاستراتيجى على
هذا المحور الاستراتيجى.
«لقد طفح الكيل»، «وبلغ السيل الزبى» حتى «لم يبقَ فى قوس الصبر منزع». ثلاثة أقوال درج العرب على التلفّظ بها عند نفاد الصبر أو تفاقم الأمور إلى حد لا يمكن السكوت عنه، أو الصبر عليه، وهذا حالنا.
فى هذا الاتجاه الاستراتيجى لغة الوزير عبدالعاطى تبرهن على نفاد الصبر المصرى. القضية ليست سد النهضة. خطير المخطط الإثيوبى بإقامة سدود أخرى، وكأنه المتصرف الأوحد فى مياه نهر
عابر للحدود.
صبر جميل، كان الله فى عون المفاوض المصرى على كل هذه النوايا العدوانية على كافة الاتجاهات والمحاور الاستراتيجية، ولكن مخزون الصبر لا يزال كافيًا، وفى جعبة المفاوض المصرى وعقيدته صبر أيوب، ولسان حال بدر الدبلوماسية المصرية: «يا رب ارزقنى صبرًا كصبر أيوب على ما ابتُلينا به على كافة المحاور والاتجاهات الاستراتيجية».
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.