في زحام الأضواء التي تسطع فوق القطبين، حيث يحكم الأهلي والزمالك قبضتهما على المشهد الكروي المصري، هناك نجوم اختاروا دربًا مختلفًا، طريقًا وعرًا لكنه أكثر نقاءً، بعيدًا عن ضجيج الديربي، وصخب الجماهير المنقسمة بين الأحمر والأبيض، هم أولئك الذين تحدّوا القاعدة، ورفضوا أن يكون المجد حكرًا على من ارتدى قميصي القلعتين، فكتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجلات الكرة المصرية دون أن يطرقوا أبواب الجزيرة أو ميت عقبة.
من ملاعب الأقاليم إلى المدرجات الصاخبة، من الفرق الطموحة إلى المنتخبات الوطنية، صعد هؤلاء اللاعبون درجات المجد بعرقهم، فجعلوا الجماهير تهتف لهم رغم غيابهم عن معترك القطبين، حملوا شرف التحدي، وواجهوا إرثًا ثقيلًا يربط النجاح بألوان بعينها، فكسروا القواعد وغيّروا المفاهيم، وأثبتوا أن النجومية لا تُصنع فقط في مصانع الأهلي والزمالك، بل قد تولد من شوارع المحلة، أو أسوار الإسماعيلي، أو على شواطئ الإسكندرية وبالقرب من ميناء بورسعيد، في شمال مصر وجنوبها، أو حتى بين جنبات أندية لم تعتد رفع الكؤوس، لكنها عرفت معنى صناعة الأساطير.
حمدي نوح.. أسطورة المقاولون الخالدة وصانع النجوم
عندما يُذكر اسم حمدي نوح، تتردد في الأذهان صورة الفارس الذي خط اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الكرة المصرية، لاعبًا ومدربًا ومكتشفًا للنجوم، فقد كان أيقونة نادي المقاولون العرب في عصره الذهبي، وحجر الأساس الذي صقل مواهب ستظل مشعة لعقود.
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان بريق نوح يضيء سماء الكرة المصرية، حيث تألق كمهاجم بارع، يُرهِق دفاعات الخصوم ويهز الشباك بمهارة قلّ نظيرها، بدأ رحلته الكروية عام 1971 مع نادي أسكو، قبل أن ينتقل إلى المقاولون العرب، حيث سطّر أعظم فصول مسيرته الكروية.
ساهم نوح في تحقيق المقاولون بطولة أفريقيا لأبطال الكؤوس عام 1982، كما كان ركيزة أساسية في حصد لقب الدوري المصري الممتاز عام 1983، الإنجاز الذي أضاف لمعانًا إضافيًا إلى اسمه، وعلى المستوى الفردي، نافس بقوة على لقب هداف الدوري المصري موسم 77/78، محققًا 14 هدفًا، في سباق شرس مع الأسطورتين حسن شحاتة وعلي خليل.
أما على الصعيد الدولي، فقد ارتدى قميص منتخب مصر بين عامي 1978 و1983، مؤديًا بأداء يليق بلاعب من طراز الكبار، وبفضل إنجازاته، حظي بالتكريم على أعلى المستويات، حيث نال وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1978 من الرئيس الراحل أنور السادات، ثم وسام الرياضة من الطبقة الأولى عام 1982 عقب التتويج الأفريقي.
لم يتوقف عطاء حمدي نوح عند اعتزاله في عام 1987، بل بدأ فصلًا جديدًا في مسيرته، لا يقل أهمية عن تألقه كلاعب. فقد كرّس حياته لاكتشاف وصقل المواهب الشابة، ليصبح الأب الروحي لنجوم كبار، على رأسهم محمد صلاح، "الفرعون المصري"، الذي يضيء ملاعب أوروبا اليوم، ورفيقه في التألق محمد النني.
كان نوح أول من لمس موهبة صلاح منذ نعومة أظافره، فآمن به ووقف إلى جانبه، يُدربه قبل الجميع في السادسة صباحًا، يشحذ مهاراته ويُطوّر قدراته. لم ينسَ صلاح فضل معلمه، فكان دائم الإشادة به، قائلاً:
"دايما فاكرك في كل اللحظات الحلوة اللي في حياتي."
ولم يقتصر عطاؤه على صلاح والنني، بل أسهم في بزوغ نجم لاعبين آخرين مثل علي فتحي وشريف علاء. كما خاض تجربة تدريبية ناجحة في الإمارات، حيث عمل مدربًا في أكاديمية نادي الجزيرة الإماراتي، ثم قاد ناشئي العين الإماراتي لمدة 9 سنوات، حاصدًا معهم 7 بطولات مختلفة، تاركًا بصمة لا تُمحى في الكرة الخليجية.
حمدي نوح ليس مجرد لاعب مرّ في تاريخ الكرة المصرية، بل أسطورة حقيقية، جسّد روح الإبداع والإخلاص في الملاعب، ثم انتقل إلى دور المعلم والملهم، ليُقدّم لنا جيلاً من النجوم الذين رفعوا راية مصر عاليًا في المحافل الدولية، وستبقى بصمته شاهدة على عبقريته الكروية، وأبوة روحه لكل من حمل شغف الساحرة المستديرة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.