بعد قرون من الأساطير والقصص الشعبية حول الأضواء الزرقاء الغامضة التي تظهر ليلًا فوق المستنقعات وتُعرف باسم “نيران الحمقى” أو Will-o’-the-wisps، توصل العلماء أخيرًا إلى تفسير علمي لهذه الظاهرة التي حيّرت البشر لقرون، فقد كشفت دراسة جديدة أن هذه الأضواء ليست أرواحًا أو أشباحًا كما كان يُعتقد، بل ناتجة عن تفريغات كهربائية دقيقة تُعرف باسم “البرق المجهري” (Microlightning) تشعل غاز الميثان الصاعد من المواد النباتية المتحللة في المستنقعات. ووفقًا لتقرير نشره موقع Science org، تحدث الظاهرة في المناطق الرطبة حيث تنتج النباتات المتحللة غاز الميثان، الذي يرتفع على شكل فقاعات دقيقة عبر المياه. هذه الفقاعات تحمل شحنات كهربائية مختلفة؛ بعضها موجب والآخر سالب. وعندما تقترب فقاعتان متعاكستا الشحنة من بعضهما، تنشأ شرارة كهربائية صغيرة جدًا تقفز بينهما، فتؤدي إلى توهّج لحظي لغاز الميثان على شكل ضوء أزرق خافت، هو ما يشاهده الناس على أنه ضوء شبحي عائم فوق المستنقع. في التجارب المعملية، صمّم الباحثون خزانًا يحاكي ظروف المستنقعات وملأوه بالماء وفقاعات الميثان، وباستخدام كاميرات فائقة السرعة وأجهزة استشعار ضوئية دقيقة، تمكن الفريق من التقاط ومضات قصيرة جدًا بين الفقاعات أثناء فقاعات الغاز الكثيفة — هذه الومضات هي ما يُعرف بـ “البرق المجهري”، الذي يعمل على أكسدة الميثان دون الحاجة إلى حرارة عالية أو مصدر اشتعال خارجي. وتؤكد هذه النتائج أن الظاهرة لا تقتصر على إضفاء تفسير علمي على الأساطير القديمة، بل تفتح الباب أمام فهم أعمق للتفاعلات الكيميائية الطبيعية، فوفق الباحثين، يمكن لهذه التفريغات الكهربائية الدقيقة أن تساهم في إطلاق تفاعلات كيميائية في الطبيعة عند التقاء الغاز والماء، ليس فقط في المستنقعات، بل ربما في أماكن أخرى مثل الينابيع الساخنة أو البيئات الجليدية وحتى في الغلاف الجوي للكواكب الأخرى. ويرى العلماء أن هذا الاكتشاف يبرهن على أن الظواهر التي طالما بدت خارقة أو أسطورية، يمكن أن يكون وراءها تفاعلات طبيعية دقيقة للغاية، وأن البرق المجهري قد يكون أحد العوامل غير المرئية التي تلعب دورًا أساسيًا في العمليات الكيميائية على الأرض وربما خارجها.