أن يكون للفرد رسالة في حياته، فهذا يجعله دائم المسؤولية عنها، توقظه حتى من منامه، هكذا وجدت نفسي تنسج رسالة علمية عظيمة، محورها البيئة والمياه الجوفية الاستراتيجية. مدادها لا يتوقف، غاياتها بدون سقف وحدود. قضيت جل حياتي الوظيفية في خدمتها. كتبت الكثير عنها. استمريت أنشر عطاءها أمام الجميع، محاضرات ولقاءات وندوات. يقينا سأظل كذلك، لأنها تحضن ما يخدم الحاضر والمستقبل.
بثقة أحمل رسالة أراها إنسانية، أتقرب بها عبادة وعرفانا وشكرا إلى الله. رسالة ترسم وتشكل منهجا نافعا بعطاء مستدام للأجيال القادمة. رسالة ترسم استراتيجيات بحاجة إلى خطط وبرامج تطبيقية. رسالتي ليست اجتهادات وخواطر وتنجيم، كما يعتقد بعض الذين لا يرون أبعد من أرنبة الخشم، كما تقول العرب. رسالة أساسها ومبعثها حقائق علمية، تشبعت بها مسؤولية، وعلما نافعا. جعلتها رسالة قوية الشأن ذات قيمة إنسانية، بمعايير.
صاحب الرسالة العلمية مؤتمن على رسالته لأنها علم وحقائق. لا تحملها نفسه وتنام عليها وتكتمها، لكنه مع قناعاته بمسؤوليتها يصبح كالنبع يفيض بالماء لغيره. هكذا أرى نفسي مع رسالتي، كنبع الماء هذا، وأفتخر. يصبح صاحب الرسالة موردا ومنجما لثمارها، وعليه توصيلها للآخرين بصدق وشفافية وأمانة مهما كان الثمن والتضحيات. هكذا فعلت واعتز بهذا.
عندما تتعلق الرسالة بالمياه فهذا يعني أنها رسالة من أجل الحياة. يقول سبحانه: مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا]، سورة المائدة «32». هذه الآية الكريمة تؤكد أن الإفساد في الأرض أكبر خطورة من قتل النفس. الإخلال بالتوازن البيئي (إفساد في الأرض)، يفضي في نهاية المطاف إلى قتل الإنسان وشركائه في الحياة. الآية تؤكد حق الحياة للجميع وتلك حكمتها ورسالتها.
الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية هو إخلال بالتوازن البيئي. أيضا إهمال البيئة وتلويثها هو إخلال بتوازنها؛ تبديد منافعها الطبيعية هو إخلال بتوازنها؛ تهدم نظمها الزراعية التقليدية المتوارثة عبر الأجيال قرونا عديدة هو إخلال بتوازنها؛ اندثار نظمها المائية التقليدية وتهدمها هو إخلال بتوازنها؛ انحسار وضياع وسائل ونظم وأدوات تغذية مخزونها من المياه الجوفية هو إخلال بتوازنها؛ جرف تربتها وتجريفها هو إخلال بتوازنها؛ تقطيع غطاءها النباتي وتدميره هو إخلال بتوازنها؛ حتى الأمطار الاصطناعية هي إخلال بالتوازن البيئي. الضرر بالبيئة يطال حتى الأجيال القادمة التي لم تولد بعد. الضرر المستدام بالبيئة يحبس المطر ويجعلها صحراء طاردة.
كيف ينفصل الإنسان عن بيئته وكان مرتبطا بها وملتصقا بشؤونها، يحميها ويرعها وينميها عبر القرون؟ أطرح هذا السؤال للتفكير والتأمل. البيئات الهشة بحاجة إلى عناية تعايش؛ بحاجة إلى علاقة تعايش مع إنسانها. تخسر البيئة الهشة عطاءها في حال توقف إنسانها عن خدمتها ورعايتها وحمايتها وتنميتها، إذا انفصل عنها تموت موتا بطيئا وكأنها تتعذب حتى النهاية.
نحن نعيش في بيئات هشة تتطلب عناية وحذر مستدام، خاصة في المناطق الجبلية المطيرة جنوب غرب المملكة، لأنها مناطق الخزان الاستراتيجي للمياه الجوفية المتجددة، نفعها يمتد حتى منطقة الخليج العربي مرورا بهضبة نجد العظيمة. وضحت هذا في كتابي بعنوان: «بيشة الموقع الاستراتيجي لقياس مستقبل وضع المياه الجوفية في المملكة العربية السعودية». ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.