يحتفل العالم في الثامن من مارس من كل عام بـ»اليوم العالمي للمرأة»، وهو مناسبة للتأمل في إنجازاتها، والوقوف عند السياسات والممارسات التي ساهمت في تعزيز دورها بالمجتمع. في السعودية، لم يكن تمكين المرأة مجرد استجابة لموجة عالمية، بل هو جزء من رؤية استراتيجية تعكس إدراكًا حقيقيًا لدورها وأهمية مشاركتها في التنمية، دون الإخلال بتوازنها النفسي والأسري. أخبار متعلقة كود البناء السعودي أيام معدوداتعلى مدار العقود الماضية، سعت العديد من الحركات النسوية حول العالم إلى المطالبة بحقوق المرأة، لكن الكثير منها ركّز بشكل مفرط على الحريات الفردية، دون النظر إلى التبعات المترتبة على ذلك، سواء على صحة المرأة النفسية أو على تماسك الأسرة والمجتمع. فقد دفعت بعض هذه الحركات النساء إلى سباق محموم نحو الاستقلالية الكاملة، دون أن توفر لهن منظومة دعم تضمن لهن التوازن المطلوب. والنتيجة كانت ارتفاع نسب الاحتراق النفسي، وتراجع الاستقرار الأسري، وإحساس العديد من النساء بأنهن في معركة دائمة لإثبات الذات، دون أن يجدن مساحة كافية للراحة والاحتواء. في المقابل، اعتمدت السعودية نموذجًا مختلفًا، قائمًا على تحقيق التمكين الحقيقي للمرأة، دون أن يكون ذلك على حساب دورها الفطري في بناء الأسرة والمجتمع. فبحسب الإحصاءات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، بلغ إجمالي عدد السعوديات 9,807,663 امرأة، فيما ارتفعت نسبة مشاركتهن في القوى العاملة إلى 36.2% في الربع الثالث من عام 2024. هذه الأرقام تعكس نهجًا متوازنًا يتيح للمرأة فرص العمل، دون أن يفرض عليها ضغوطًا قد تؤثر على صحتها النفسية أو جودة حياتها الأسرية. كما أن تمكين المرأة في السعودية لم يقتصر على الوظائف التقليدية، بل شمل مختلف المستويات القيادية، حيث بلغ عدد السعوديات اللاتي يشغلن مناصب إدارية عليا (مديرات) 78,356 امرأة. ولم تكتفِ المرأة السعودية بدورها كموظفة، بل أصبحت شريكة في النمو الاقتصادي عبر ريادة الأعمال، إذ بلغ عدد السعوديات اللاتي يمتلكن سجلات تجارية 551,318، فيما حصلت 449,725 سعودية على وثائق للعمل الحر خلال عام 2023. هذه الأرقام تؤكد أن التمكين في المملكة لم يكن مجرد شعارات، بل هو واقع ملموس يعكس نجاح السياسات الداعمة للمرأة، دون أن تُدفع إلى بيئات قد تستنزفها نفسيًا. وفي قطاع السياحة، وهو أحد القطاعات الناشئة التي توفر فرصًا جديدة للمرأة، بلغ عدد السعوديات العاملات فيه 111,259 امرأة خلال عام 2024، ما يعكس التنوع في المجالات التي أصبحت متاحة لهن، ويؤكد أن المملكة تعمل على تعزيز مشاركة المرأة في الاقتصاد، وفق نهج يحترم احتياجاتها ويضمن لها بيئة متوازنة. ومع التوجه نحو الخصخصة، كان التحدي يكمن في تحقيق بيئة عمل عادلة لا تفرض على المرأة نمطًا قاسيًا يُجبرها على الاختيار بين النجاح المهني أو الاستقرار الأسري. هنا، لعبت الحكومة السعودية دورًا محوريًا في ضمان بيئات عمل مرنة، توفر للمرأة فرصًا حقيقية دون أن تتسبب في إرهاقها نفسيًا أو استنزافها تحت وطأة متطلبات غير منصفة. فتمكين المرأة في المملكة لا يعني دفعها إلى نماذج لا تناسبها، بل توفير المساحة التي تستطيع فيها تحقيق طموحاتها وفق أسس عادلة ومستدامة. إن النموذج السعودي في تمكين المرأة يمثل رؤية متوازنة تضمن لها تحقيق ذاتها، دون أن تكون أسيرة لأفكار قد تضر أكثر مما تنفع. فالمرأة ليست مطالبة بأن تختار بين العمل والأسرة، أو بين النجاح والاستقرار، بل يجب أن تحصل على دعم يمكّنها من تحقيق كل هذه الأدوار بتناغم. وبينما دفعت بعض الحركات النسوية النساء إلى مواجهة تحديات نفسية واجتماعية لم تكن في الحسبان، اختارت السعودية طريقًا يضمن للمرأة التمكين دون أن تفقد جوهرها أو تتخلى عن جوانب أساسية في حياتها. هذا هو التمكين الحقيقي الذي يستحق أن يكون نموذجًا يُحتذى به عالميًا. @DrLalibrahim