نستكمل حديث المقال السابق يا سادتي عن ما حديث منذ أمد بعيد جداً، حين كنت قادماً مع إخوتي الكبار، من إجازة صيفية قضيناها ببلدتنا عند منحنى النيل، قرب مدينة مروي بشمال السودان، كنا قاصدين الخرطوم، وفجأة لاح لنا في ذلك الليل البهيم ضواءً من بعيد، كلما اقتربنا بعد عنا، وفجأة وعلى حين غرة تراءت لنا امرأة عجوزاً ضخمة البنية منحنية الظهر، ترتدى عباءة سوداء وتحمل بيدها فانوساً يتوهج منه ذلك الضوء الذي رأيناه، ثم اختفت وتلاشت بنفس السرعة التي لاحت لنا فيها، وضجت السيارة بالخوف والهلع والاضطراب. أخبار متعلقة الإعلامي ليس كل من قال «أنا إعلامي» يوم الصحة العالمي والأطباء الثلاثةكنا قبل أن تتوجه السيارة بمصابيحها إلى اتجاه ذلك الضوء البعيد، وتضرب العجوز بأنوارها الساطعة وتسلطها عليها، نسير في اتجاه غير معلوم أو محدد مثلما أخبرتكم، كأنما نطارد سراباً يصعب الإمساك به، في هذا التيه الأبدي الغارق في الظلام، كأننا سقطنا في دوامة نهر شيطاني لا فكاك منه ولا ونجاة، فكلما قطعنا مسافة للاقتراب من ذلك الضوء ازداد بعداً، فقال أحد الركاب أنه «أبو لمبة»، وقال آخر لا بد أنه «أبو لمبة» يلعب معنا، فسألت من هو أبو لمبة هذا؟!، قال أحد الركاب أنه شيطان مخادع بارع في غواية وإضلال المسافرين، قلت ولماذا يفعل ذلك؟!، قال أنه جني مشاغب يتغذى على مخاوف المسافرين حيث يتعرض للمسافرين في طريقهم، بإضاءة قبس من النور بغية جذب وإغراء المسافرين وصدهم عن جادة الطريق، موحياً لهم بأنهم يسيرون في اتجاه البيوت، التي يمكن قصدها للتزود منها بالماء والوقود، لعله يجد متعة عظيمة في إيهام الناس بالأمان في هذه القفار النائية، حيث يعطيهم أمل زائف ويغريهم ببريق كاذب، مثلما تفعل الحياة أحياناً كثيرة، حينما تباغتنا بمفاجآتها غير المتوقعة، عندئذ لا بد أن يختلط الأمر على المسافر، ويظن أنه يسير في الاتجاه الصحيح ناحية النور والبيوت والأمان، ويظل يدور في حلقة سرمدية فارقة حتي يوشك على الهلاك أو يقضى نحبه فعلاً. حينئذ زاد الخوف واللغط والهمهمات بين الركاب، من حديث هذا الراكب المطلع، وزاد أحد الركاب قائلاً أنه جني شقي مشهور بهذه المفازة المقفرة، التي لا يدخلها بشر إلا تاه وهلك، مستخدما الضوء الذي يغري به المسافرين، فيجذبهم إلى المزيد من التيه. عندئذ قرر السائق التوقف والمبيت في اللا مكان هذا، خوفاً من نفاذ البنزين، وقال يجب أن نستأنف المسير بعد شروق الشمس، حيث يمكننا رؤية المعالم للاسترشاد بها، تعوذنا جميعا من الشيطان الرجيم، وارتفعت أصواتنا بذكر الله والتحصن بتلاوة القرآن، حتى طلعت شمس يوم جديد، لعمري أن أنسى ذلك ما حييت، لأنني ما كنت على يقين مما رأيت، كان هذا مثل كابوس مرعب، كل ما أستطيع الجزم به هو أنني رأيت ضوءً يومض من بعيد في تلك العتمة، يتقد وينطفئ عدة مرات، ثم ظننته يقترب لكنه كان يبتعد حقيقة، وهيهات لنا أن ندركه بسيارتنا، أو يتسنى لي التيقن من الكائن الخرافي الذي أشعله، أو الشخص الذي يمسك به، كان مجرد ضوء تراءى لنا جميعا، من مكان بعيد واعتقدت أنه يأتي من ناحية بيوت سكان الصحراء، أو خيام أهل البادية بهذه النواحي المقفرة، لكن الحقيقة التي اكتشفتها بعد شروق الشمس، أن المكان كان مقفراً تماماً من أي أثر للحياة، وكانت تلك أخر مرة أسافر فيها بالسيارة إلى مروي، أو أسمع فيها خبراً عن أبو لمبة، ذلك الجني اللعين.. أعوذ بالله. مثلما تفعل الحياة أحياناً كثيرة، حينما تباغتنا بمفاجآتها غير المتوقعة، عندئذ لا بد أن يختلط الأمر