في زمن تتسارع فيه الفتن وتزدحم الكثير من المغريات والتحديات يتجلى عظمة التوجيه النبوي في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم - «الكَيِّسُ من دانَ نفسَهُ، وعمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ من أتبعَ نفسَهُ هواها، وتمنَّى على الله»، هذه الكلمات النبوية القليلة ترسم لنا ملامح شخصية المؤمن الحق ذلك الإنسان الذي يعيش بعقله وقلبه لا يُستغفل ولا يُغرى بزخارف الدنيا بل يسير على هدى وبصيرة.
فالكياسة والفطنة ليست دهاءً دنيوياً فعندما يُقال المؤمن كيس فطن فالمقصود أنه ذكي في دينه ودنياه يعرف متى يتكلم ومتى يصمت ومتى يلين ومتى يعتذر ومتى يُقبل ومتى يُدبر فهو لا يعيش بلا هدف ولا ينجرف مع التيار بل يُحاسب نفسه ويُراجع نواياه ويُخطط لحياته على ضوء قيمه ومبادئه فهو يعرف أن الدنيا محطة وليست دار مقام فيعدّ زاده ليوم الرحيل.
ففي قلب الفطنة محاسبة للنفس كما قال الحسن البصري: «ما يزال العبد بخير ما كان لنفسه محاسبًا، ومن لم يُحاسبنفسه، ساءت أخلاقه»، فالفطنة الحقيقية ليست في الذكاء فقط بل في الصدق مع النفس في مراقبة الخفايا والتوبة من الزلات والعمل الصادق لما يُرضي الله.
ومن الفطنة أن يتعلّم الإنسان من أخطائه، وأن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين فالمؤمن الواعي لا يتهاون في حقوقه ولا يعطي ثقته لمن لا يستحقها لكنه لا يُقابل الناس بسوء الظن بل بميزان العدل والحكمة فهو كريم، لكنه لا يُستغل، متسامح لكنه لا يسمح بالتجاوز، متواضع لكنه عزيز النفس.
ففي مجالات الحياة كلها، نحتاج هذا النموذج من الإيمان المتزن ففي الإدارة المدير الفطن لا ينجرف خلف المحاباة بل يوازن بين الحزم والعدل، وفي العلاقات الإنسان الفطن يعرف حدوده ويُقّدر نفسه قبل أن ينتظر التقدير، وفي الحياة اليومية الكيّس لا يُغريه إعلان كاذب ولا يتلفت إلى المظاهر ولا عرض مغشوش ولا صديق متلوّن .
أن تكون مؤمنًا ذكيًا فطنًا لا يعني أن تعيش بتوتر أو حذر دائم بل أن تعيش بيُسرٍ مع يقظة وطمأنينة مع وعي وأن تملك زمام نفسك وتختار طريقك بعقلٍ يُضيئه الإيمان.
[email protected]
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.