لطالما مثّلت سلسلة Grand Theft Auto علامة فارقة في قطاع الترفيه التفاعلي، ولا يُنظر إلى الإصدارات الجديدة منها إلا بوصفها أحداثاً اقتصادية وتقنية تفرض معايير جديدة للصناعة. وقد شهد الجمهور تمديداً جديداً في فترة الانتظار، حيث أعلنت شركة Rockstar Games عن تأجيل إطلاق Grand Theft Auto VI للمرة الثانية، ليصبح الموعد الرسمي هو 19 نوفمبر 2026، بدلاً من الموعد المقرر سابقاً في 26 مايو 2026. هذا التأجيل، الذي يبلغ نحو ستة أشهر، يأتي بعد أكثر من اثني عشر عاماً من إطلاق الجزء الخامس، GTA V.
لقد بررت Rockstar Games هذا القرار في بيانها الرسمي بأنه يهدف إلى “إتاحة وقت إضافي لإنهاء اللعبة بالمستوى من الصقل (Polish) الذي تتوقعونه وتستحقونه”. كما أيّد ستراوس زيلنيك، الرئيس التنفيذي لشركة Take-Two (الشركة الأم لـ Rockstar)، هذا التوجه، مؤكداً أنهم يمنحون اللعبة الوقت اللازم “لتكون أفضل نسخة ممكنة من ذاتها”.
لكن هذه التبريرات الرسمية تطرح تساؤلاً جوهرياً لدى المحللين: ما الذي يتطلبه “الصقل” في مشروع بهذا الحجم الاستثنائي، والذي يُعرف عن استوديوهاته أنها تستثمر بالفعل وقتاً غير محدود لضمان الجودة؟ إن التأجيل لستة أشهر يمثل تحدياً مالياً واستراتيجياً، مما أدى إلى تراجع أسعار أسهم Take-Two في التداولات اللاحقة للإعلان. هذا القبول بالضرر المالي المؤقت، طالما أن الإطلاق يبقى في نفس السنة المالية ، يشير إلى أن الهدف المرجو من هذه الأشهر الإضافية ليس مجرد تصحيحات روتينية للأخطاء البرمجية أو الرسومية، بل هو دمج نظام تكنولوجي حيوي ومعقد لا يزال غير مستقر.
طرح الفرضية المحورية: هل المشكلة تقنية توليدية؟
الفرضية التحليلية هنا هي أن الوقت الإضافي ليس مخصصاً بالضرورة لـ “الصقل” التقليدي، بل لاستكمال دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI – GenAI) المبتكرة وغير المستقرة بعد. هذه التقنيات هي الوحيدة القادرة على تحقيق الوعد بـ “عالم لا مثيل له” يتجاوز بكثير ما قدمته الألعاب السابقة. إن التكنولوجيا التوليدية، وبسبب طبيعتها التي تنطوي على نتائج غير قابلة للتنبؤ (Unpredictable Outputs) ، تتطلب دورات اختبار وضبط دقيقة وموسعة للغاية لضمان اتساقها في بيئة لعبة كبرى (AAA). وبالتالي، فإن عملية “الصقل” الحقيقية التي أجّلت اللعبة تتعلق بـ صقل نموذج الذكاء الاصطناعي نفسه، وليس محتوى اللعبة المكتوب يدوياً.

الفصل الأول: “الإتقان” الاستثنائي: قراءة في ثقافة روكستار التقنية والذكاء الاصطناعي
لتقييم فرضية الذكاء الاصطناعي التوليدي كسبب للتأجيل، يجب أولاً التمييز بين أنواع الذكاء الاصطناعي في الألعاب والنظر في سجل Rockstar/Take-Two في هذا المجال.
التمييز بين الذكاء الاصطناعي التقليدي والتوليدي
لقد استُخدم الذكاء الاصطناعي (AI) في ألعاب الفيديو لعقود. يُعرف الذكاء الاصطناعي التقليدي للألعاب (Game AI) بأنه نظام حاسوبي مخصص للتحكم في سلوك الشخصيات غير القابلة للعب (NPCs) وتوليد سلوك ديناميكي داخل اللعبة. ولكن هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يكون مقيداً ومبرمجاً مسبقاً (AI-as-scripting). وهدفه هو تقديم سلوك مقنع وفعال يلائم تجربة اللعب، وليس بالضرورة محاكاة التعلم أو الاستدلال المستقل.
على النقيض، يمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)، المدعوم بالنماذج اللغوية الكبيرة (LLMs)، ثورة نوعية. يمتلك هذا النوع القدرة على توليد محتوى نصي أو مرئي أو صوتي جديد وغير مبرمج سلفاً. هذا التحول هو ما يتيح إمكانية تجاوز الحوارات المكتوبة والمحدودة (Scripted Dialogues) إلى حوارات مفتوحة وعضوية.

الأسس التقنية لـ Rockstar: دليل الاستثمار الصامت
البيانات المتاحة تشير بقوة إلى أن Rockstar Games، من خلال شركتها الأم Take-Two، تستثمر بكثافة في تطوير أنظمة تقنية تتجاوز مفهوم “الذكاء الاصطناعي كـ برمجة”. هذا الاستثمار يركز على تحسين أنظمة العالم (Systemic World Improvements)، وهو ما يستدعي استخدام GenAI.
- براءة اختراع الملاحة المعقدة: سجلت Take-Two براءة اختراع لنظام متقدم لإدارة ملاحة الشخصيات غير القابلة للعب وسلوكها، لا سيما مسارات المركبات على الطرقات. تم تطوير هذا النظام من قبل مبرمجي الذكاء الاصطناعي الرئيسيين في Rockstar، مما يؤكد التركيز على خلق حركة مرور وسلوكيات سكانية أكثر واقعية وكفاءة في العالم المفتوح.
- توليد البيئات الداخلية الديناميكية: كشفت براءة اختراع أخرى عن نظام لتوليد عشوائي (لكنه مُتحكَّم به) للبيئات الداخلية، مثل الغرف والمباني. يعتمد هذا النظام على إنشاء “بذور” فريدة ومعلمات مثل نمط المبنى (شقة فاخرة مقابل شقة قديمة)، ومستوى الفوضى، والأصول الداخلية. هذا يمثل تطبيقاً مباشراً لتقنيات التوليد الإجرائي المتقدمة (Procedural Generation) التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتوليد أصول ومحتوى ديناميكي، مع القدرة على حفظ البذرة لضمان أن تبقى البيئة كما هي عند عودة اللاعب.
- التوظيف الاستراتيجي في الذكاء الاصطناعي المطبق: تشير إعلانات الوظائف داخل Take-Two إلى البحث عن شركاء أعمال في مجال الذكاء الاصطناعي المطبق (AI Business Partner – Applied AI). هذا يدل على أن دمج الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تجربة تقنية بل أولوية استراتيجية يتم العمل عليها لضمان استفادة الأفراد وفرق العمل من هذه التكنولوجيا الجديدة.
الاستنتاج الاستراتيجي من الاستثمار التقني
هذه الجهود المستثمرة في براءات الاختراع دليل قاطع على أن روكستار لا تكتفي بـ “الصقل التقليدي”، بل تعمل على تطوير أنظمة عميقة ومبتكرة. إذا كانت الشركة تستثمر في توليد البيئات الداخلية عشوائياً لتحقيق نطاق لا متناهي، فمن المنطقي جداً أن يتم تطبيق المستوى نفسه من الديناميكية على العنصر الأكثر تفاعلية وحساسية في اللعبة: السرد وتفاعلات الشخصيات غير القابلة للعب.
يُعد الذكاء الاصطناعي التوليدي (LLMs) هو التقنية الوحيدة القادرة على تحقيق هذا النطاق الهائل من الحوارات والسلوكيات التفاعلية. وبما أن حتى توليد البيئات يتطلب شهوراً إضافية لتحقيق “الإتقان” وضمان الاتساق الفني المطلوب (Artistic Consistency) ، فإن دمج نماذج توليدية في السرد والحوارات، وهو أمر أكثر تعقيداً بكثير ويتطلب اتساقاً سردياً (Lore Consistency) ، سيحتاج بالتأكيد إلى الأشهر الستة الإضافية التي تم منحها.
يتبع..
كاتب
أعشق ألعاب الفيديو منذ أيام جهاز العائلة، و أفضل ألعاب المغامرات أمثال Tomb Raider و Assassins Creed (قبل التحول للـRPG)، ليس لدي تحيز لأي جهاز منزلي بالنسبة لي الأفضل هو الذي يقدم الألعاب الأكثر تميزاً. ما يهمني هو التجارب ذات السرد القصصي المشوق فالقصة هي أساس المتعة أكثر من الجيمبلاي.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سعودي جيمر ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سعودي جيمر ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
