اقتصاد / صحيفة الخليج

من أخطاء المنافسين إلى تحفيز الأزمات.. دروس قيادية من مايكل ديل

في مشهد الصراع التنافسي الحادّ الذي يشهده قطاع التكنولوجيا، يبرز ما يقوله مايكل ديل مؤسس ورئيس مجلس إدارة «ديل تكنولوجيز»، شهادةً ثمينة لروّاد الأعمال ولمن يتولّون قيادة الشركات الكبرى: لقد رأى بنفسه المتنافسين يسقطون، ويعرف لماذا.

وفي حوار له مع «بودكاست» يناقش استراتيجيات القيادة، كشف ديل عن ثلاثة أخطاء جوهرية ارتكبها كثير من الشركات التي كانت تبدو واعدة ثم اختفت، كما كشف عن طريقة تفكيره في القيادة: «إذا لم يكن لديك أزمة، فابدأ بواحدة».

منذ تأسيسه شركته في عام 1984، تابع ديل كيف تنهار شركات لم تفهم المعادلة. يقول: «إذا كنت وسط سباق تنافسي شديد ولم تفهم تماماً ما يجري، فأنت ستخطئ». وحدد 3 «إخفاقات» متكرّرة:

1. التوسع العنيف بلا تأسيس متين: الشركات التي «توسّعت باندفاع مفرط» غالباً ما انتهت إلى صعوبات التشغيل أو نفاد الموارد.

2. أخطاء تصميم المنتج أو التجربة: إطلاق منتجات أو نماذج لا تلبي احتياجات الزبائن، أو تعاني من تجربة مستخدم ضعيفة أو جودة منخفضة، سبب مباشر في هبوط بعض المنافسين.

3. عدم فهم السياق التنافسي الحقيقي: كثيراً من الشركات فشلت لأنها لم تدرك أولاً أنّ المنافسة ليست فقط من الشركات الأخرى بل من تغيّر النموذج نفسه، أو لأنّها تأخّرت في التحوّل إلى سوق جديد.

وتنبّه إلى خطر ظاهرة «تأثير أوزبورن»، فعندما تعلن الشركة عن منتج مستقبلي ينتظر العملاء بدلاً من شراء ما هو حالياً، فيتوقّف تدفّق الإيرادات.

ديل لا يرى نفسه بمنأى عن الأخطاء، بل يقول إنّه منذ سنوات وهو يتعهّد بأن تكون أخطاؤه صغيرة وقابلة للتصحيح بدلاً من الأخطاء الكبرى التي تقلب المسار بالكامل.

صنع أزمة

في الاتجاه الآخر، عندما مرت السنوات واستقرّت الشركات، جاء ديل ليشير إلى أنّ القادة الحقيقيين لا ينتظرون الأزمة ليحركوا الفريق، بل يقول: «إذا لم يكن لديك أزمة، فابدأ بواحدة».

الفكرة بسيطة لكنها عميقة: في لحظة الهدوء والتوسّع، قد ينام الفريق على نجاحاته، أو يتراخى الإيقاع، ويصبح التقدّم أقل ديناميكيّة، لذا، بحسب ديل، القائد الواثق يُضمِنه شعوراً بالعجلة والإلحاح، مضيفاً: «نحن يجب أن نتغيّر وإلّا سننتهي».

يربط ديل هذه الفلسفة بتحدٍ أكبر: التكيّف مع التكنولوجيا الجديدة والابتكار المستمر، ويقول: «إذا كنت تفعل شيئاً منذ عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة بالطريقة ذاتها، وفجأة يظهر شيء جديد، وتردّ: لا، لا أريد أن أفعل ذلك، فأنت في خطر».

ولعل أبرز تجلياتها مشروعه السري داخل «ديل تكنولوجي»، المعروف باسم «بروجيكت مافريك»، الذي يهدف إلى دمج الذكاء الاصطناعي بشكل جوهري داخل عمليات الشركة، ومنحها دفعة تنافسية في ما يبدو أنه مستقبلٌ محوري لشركة التقنية. لكن الأمر ليس تقنياً بحتاً، بل ثقافيّ أيضاً: كيف تحفّز الناس، وكيف تُعيد تنظيم الفريق، وكيف توفّر لهم الأدوات، وكيف تجعلهم يشعرون بأنّهم في مهمة.

فشل وشرارة تحفيز

عند النظر إلى رؤى مايكل ديل القيادية، نجد أنّها تقوم على معادلة دقيقة تجمع بين شقّين لا يقلّ أحدهما أهمية عن الآخر: إدراك الأخطاء القاتلة وتفعيل طاقة التغيير الدائمة. فبينما يحذّر ديل من الانجراف نحو توسّع غير محسوب أو إطلاق منتجات بلا قيمة واضحة أو الاستخفاف بالمنافسة المتحوّلة، يؤكد في المقابل أنّ البقاء في الصدارة يتطلّب خلق دافع ذاتي مستمر داخل المؤسسة. وفي فلسفته، «الأزمة» ليست نهاية الطريق، بل بداية التحوّل، ليست تهديداً، بل فرصة لابتكار ما لم يُبتكر من قبل.

ويختصر ديل هذا المبدأ بجملة حاسمة: «ارتكب الأخطاء التي لم يجرّبها أحد، واجعلها صغيرة وسريعة التعديل».

إنها وصفة لريادة الأعمال الحديثة: تجربة جريئة، وفشل مبكر، وتعلّم لا يتوقف. وبذلك، تصبح القيادة مزيجاً من الوعي الاستراتيجي، والقدرة على اتخاذ قرارات صعبة في الوقت المناسب، والمرونة في تعديل المسار قبل فوات الأوان. ففي عالم يتبدّل بوتيرة غير مسبوقة، لا يكفي أن تتجنّب السقوط، بل يجب أن تظلّ مستعدًا للقفز نحو المستقبل.

أهمية الدروس

لم يعد الزمن يمنح المؤسسات ترف الانتظار أو الأخطاء البسيطة. فالتكنولوجيا تتسارع بوتيرة تضيق معها المسافات بين النجاح والانهيار. وما كان استراتيجية رابحة قبل أعوام قليلة بات اليوم عبئاً يهدد البقاء. إن الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والتحولات المستمرة في سلاسل التوريد والأسواق العالمية، كلّها تعيد رسم قواعد المنافسة من جديد، وتجعل من التكيّف السريع شرطاً أساسياً للحياة في السوق، لا مجرد ميزة إضافية.

ومن هنا، تأتي رسائل مايكل ديل بوضوح: الأخطاء التي حذّر منها، مثل سوء فهم التنافسية أو التوسع غير المدروس أو طرح منتجات بلا قيمة، ليست سوى انزلاقات ناجمة عن الجمود في عالم يعاقب التباطؤ.

وفي المقابل، فإن الدعوة إلى «الأزمة المحفّزة» ليست سعياً إلى الخطر، بل تأسيس لذهنية مرنة لا تنتظر التهديدات كي تتحرك، وتبادر لتعيد تشكيل نفسها وتسبق منافسيها بخطوة.

قيادة تبني المستقبل

ما يطرحه ديل هو معادلة بقدر ما تبدو بسيطة، بقدر ما تحمل من عمق وواقعية: تعلّم من إخفاقات الآخرين كي لا تكررها، لكن لا تكتفِ بذلك. اصنع دافعك من الداخل، وابقَ في حالة تقدم دائم. إنه نداء يقظ يدعو القادة إلى كسر رتابة النجاح، وحماية الإبداعية من أن تُخمد تحت وطأة الاطمئنان.

وما يضفي على هذه الدروس مصداقية أكبر هو أن صاحبها بدأ رحلته من غرفة سكن جامعي عام 1984، قبل أن يقود شركته لتصبح لاعباً عالمياً نجح في تجاوز أزمات وصعودات وهزات كبرى عصفت في القطاع. واليوم، يقدّم مايكل ديل خريطة عمل لأي قائد أو رائد أعمال: لا تكتفِ بالحفاظ على مكانك بل أعد تعريفه باستمرار. وفي عالم سريع التحوّل، قد لا ينجو الأقوى، بل الأكثر استعداداً للتغيير.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا