في عرضٍ ساحر ضمن أسبوع الموضة في باريس، كشفت ناديج فان هيه، المديرة الإبداعية لدار هيرميس Hermès، عن مجموعة ربيع وصيف 2026 التي جسدت جوهر العلامة الفاخر بأسلوب جديد أكثر جرأة وتحررًا، هذه المرة، لم يكن مصدر الإلهام المدينة أو الفروسية في شكلها التقليدي، بل منطقة كامارغ الفرنسية، أرض المستنقعات، الملح، والخيول البرية، حيث تلتقي الفوضى بالعظمة، والحرية بالانضباط، في مشهد طبيعي لا يخضع لأي قواعد.
من هذه الخلفية القوية، انطلقت Hermès لتقدم فصلًا جديدًا من أناقتها: "أنثويةٌ متحكمة، راقية، وجامحة في آنٍ واحد".

روح كامارغ: الطبيعة مصدر الإلهام

استوحت فان هيه المجموعة من كامارغ، تلك المنطقة الساحلية التي تجمع بين التناقضات، الملوحة والرطوبة، القسوة والرقة، الحرية والانضباط، لم يكن الهدف إعادة تصميم أزياء الفرسان أو نقل الفروسية بحرفيتها الكلاسيكية، بل تجسيد روحها:

• الخيول البرية، الرياح الجافة، الرمال الممتدة، والسماء التي لا نهاية لها، كلها انعكست في الأقمشة، في الخطوط، وفي لوحة الألوان الترابية التي حملت طاقة الشمس الغاربة.
• اختارت فان هيه أن تجعل الحركة هي اللغة الرئيسية للمجموعة، حيث بدا كل تصميم وكأنه يتحرك حتى وهو ثابت، يتنفس ويتمدّد بانسجام مع الجسد، كما لو كان امتدادًا طبيعيًا له.

الجلد المادة التي لا تنتهي

منذ تأسيس Hermès، كان الجلد قلب العلامة النابض. وفي هذا الموسم، كرّمته فان هيه بطريقة جديدة تمامًا:

• استوحت من سرج كامارغ الأيقوني وصاغته مجددًا كعنصر أساسي في التصميم، فكانت الأحزمة والمشدات الجلدية تلتف حول الخصر والكتفين، وكأنها رموز قوة وأناقة.
• ظهرت السترات الجلدية المبطنة بخياطة دقيقة تتقاطع مع قمصان الحرير، بينما جاءت التنانير الجلدية في خطوط ضيقة تبرز القوام دون أن تقيده.
• النتيجة؟ مزيج من الصرامة والنعومة، من الجلد والحرير، يُعيد تعريف التوازن بين السيطرة والانسياب، وهي ثنائيةٌ شكّلت روح المجموعة بأكملها.

لوحة الألوان: دفء الأرض وأناقة الغروب

• تنقلت الألوان بين الرملي والكاكي والزيتوني والعنبر والصدأ العميق، لتستحضر أجواء غروب الشمس على مستنقعات كامارغ.
• لم تكن الألوان مجرد خلفية، بل كانت جزءًا من السرد البصري: الأصفر الذهبي يرمز للشمس، الرملي للأرض، الزيتوني للطبيعة، والبرونزي للقوة.
• ورغم دفئها، لم تفقد المجموعة أناقتها الباريسية المعتادة؛ فحتى في أكثر درجاتها ترابيةً، ظل كل لون مصقولًا ومترفًا كما هو متوقع من Hermès.

حرفية التفاصيل: حين يصبح الملمس لغة

1. لم تكن الزخارف في هذه المجموعة مجرد تطريزات أو زخارف سطحية، بل لغة ملموسة تحكي قصة الحرفة الفرنسية، ظهرت الدرزات الدقيقة على كل قطعة، وكأنها خطوط رسم خفية على جسد نحات، حتى أوشحة Hermès الشهيرة التي عُرفت بها الدار منذ عقود، عادت هنا بوجهٍ جديد.
2. بدلًا من أن تُلف حول الرقبة، أعيد ابتكارها كقمصان وأثواب بأقمشة الـ piqué الحريرية، بهذه الخطوة، دمجت فان هيه بين الماضي والحاضر، بين ما هو أيقوني وما هو مبتكر، في حوارٍ مستمرٍ بين الحرفة والحداثة.

بين الانضباط والتحرر

1. توازن Hermès في هذا الموسم بين القوة والسيولة. فقد كان الانضباط حاضرًا في القصّات الحادة والأحزمة الضيقة، لكن الحرية تسرّبت من بين الطيات ومن نعومة الأقمشة.
2. في بعض الإطلالات، جاءت التنانير الحريرية لتكشف بخفةٍ عن لمحات من السيقان، بينما احتضنت الأحزمة الجلدية البطن المكشوفة كرمزٍ للسيطرة الجمالية.
3. هذا التناقض بين الحماية والانكشاف جعل المجموعة أكثر إنسانيةً وجاذبية، فليست الحسية هنا مبتذلة، بل نابعة من الثقة والراحة في الجسد.

الأقمشة والقصّات: عندما تتحدث الحركة

استخدمت فان هيه توليفة من الأقمشة المميزة:

• الحرير المتماوج الذي يعكس الضوء كالماء.
• الجلد الناعم الذي يتنفس بمرونة.
• القطن المشغول بتقنيات جديدة تمنحه شكلًا صلبًا دون أن يفقد خفته.

كانت القصّات تميل إلى العمودية والبساطة، لتتيح للحركة أن تكون البطل الرئيسي، فبدلًا من المبالغة في الزخرفة، اختارت فان هيه التركيز على البنية، على كيفية التفاف القماش حول الجسد، وكيفية سقوطه في حوارٍ بين الظل والنور.

الرموز الجديدة: أناقة تُعيد تعريف القوة

امرأة Hermès في ربيع وصيف 2026 ليست ملكة في قصر، بل قائدة على صهوة جوادها.
هي امرأة تعرف قيمتها ولا تحتاج لإثباتها بالترتر أو الصيحات.
رمزية الأحزمة الجلدية والسترات المصقولة لا تعبّر عن التقييد، بل عن التحكم في الذات، عن الجمال الذي ينبع من الثقة لا من الزينة.
حتى القطع الشفافة جاءت كدعوةٍ للصدق، لا للعرض.
كل خيطٍ وكل قَصّةٍ في هذه المجموعة كانت تؤكد أن القوة يمكن أن تكون أنيقة، وأن الأنوثة يمكن أن تكون صلبة كالجلد.

الحقائب والأحذية: الرفاهية في أدق التفاصيل

من دون مفاجأة، كانت الحقائب نجمًا صامتًا في العرض:

1. أعيد تقديم حقيبة Kelly في أحجام جديدة وألوان طبيعية تتدرج من البني المحروق إلى الرملي، بينما برزت حقيبة Birkin في جلد غير لامع يشبه ملمس الرمال بعد المطر.
2. أما الأحذية فجاءت بخطوط مستقيمة وأطراف مربعة، تجمع بين الخفة والمتانة، لتخدم الإطلالة لا أن تسرق منها الضوء.
3. كل تفصيل في هذه الإكسسوارات كان تذكيرًا بأن Hermès لا تساوم على الجودة — حتى حين تتجه نحو البساطة، تبقى الفخامة مقياسها الأساسي.

الإضاءة والعرض: المسرح كامتداد للأناقة

• اختارت فان هيه أن يكون العرض بسيطًا في ديكوره، لكنه غني في رمزيته.
• انعكست ألوان الكامارغ على الأرضية الرملية والإضاءة الدافئة التي تشبه غروب الشمس الفرنسي.
• تحركت العارضات بخطوات ثابتة واثقة، وكأنهن فارسات حديثات، يجسدن الحرية والرقي في آنٍ واحد.
• الموسيقى كانت خافتة وإيقاعها يشبه نبض الخيل، مما جعل العرض تجربةً حسيةً متكاملة تلامس الذاكرة والخيال.

رؤية فان هيه: التوازن بين التقاليد والمغامرة

1. منذ توليها إدارة Hermès عام 2014، نجحت ناديج فان هيه في بناء هوية تصميمية متماسكة للدار، تجمع بين الحد الأدنى والترف، وبين الحرفية والحداثة، في هذه المجموعة، أثبتت مرة أخرى قدرتها على التجديد من الداخل، دون خيانة تاريخ الدار.
2. لم تذهب إلى الغرب الأميركي كما يفعل البعض عند استلهام الفروسية، بل إلى جنوب فرنسا، إلى حيث تتعايش الفوضى مع الانضباط، لتقول إن Hermès يمكن أن تكون مغامِرة دون أن تفقد أناقتها.

ترويض الجمال لا يعني تقييده

في نهاية العرض، بدت الرسالة واضحة:

1. امرأة Hermès الجديدة جامحة ومتحكمة في الوقت نفسه، هي لا تتزين لتُعجب، بل لتُعبّر. لا تنتظر الضوء ليسلط عليها، بل تمشي نحوه بثقة.
2. في هذا الموسم، أعادت Hermès صياغة مفرداتها من الفخامة عبر الصدق والبساطة والقوة، لتؤكد أن الجمال الحقيقي لا يحتاج إلى صخبٍ أو مبالغةٍ كي يُدهشنا.

حرية Hermès أناقة لا تعرف الحدود

1. من خلال مجموعة ربيع وصيف 2026، تفتح Hermès فصلًا جديدًا من تاريخها، فصلًا يحتفي بالحركة والهواء والجلد والأنوثة الصلبة.
2. لقد نجحت فان هيه في صنع عرضٍ يجمع بين الفكر والحرفة والشعور، بين صلابة الفروسية ورهافة الأنوثة.
3. في عالمٍ يزداد ازدحامًا بالصخب، جاءت Hermès لتُذكرنا بأن الفخامة الحقيقية هي في الصمت، في الاتزان، وفي الحضور الهادئ الذي لا يُنسى.