عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

الشيخ راشد.. باني دبي الحديثة وشريك الاتحادي

تظل أسماء القادة العظام محفورة في ذاكرة الوطن، بإنجازاتهم وخلود أثرهم، ومن بين هؤلاء يسطع اسم المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، بصفته أحد أبرز صناع نهضة وباني دبي الحديثة وشريك الاتحادي الذي تحول إلى واقع يفاخر به العالم.


في السابع من أكتوبر، تحيي دولة الإمارات الذكرى الخامسة والثلاثين لرحيل قائد استثنائي تجاوزت رؤاه حدود زمانه، فأسس برؤيته الثاقبة وإرادته الصلبة لمرحلة جديدة من التطوير والبناء، وجعل من دبي نموذجاً في التنمية الشاملة، ومن الإمارات عنواناً للوحدة والازدهار.

شخصية قيادية


كان الشيخ راشد شخصية قيادية من الطراز الأول، ولعب دوراً بارزاً في قيام الاتحاد ومسيرة نهضة الإمارات، فطموحاته لا تعرف المستحيل، وإنسانيته يتناقلها الجميع، وظلت سيرته حاضرة في القلوب والعقول.
ويعد، طيب الله ثراه، أول حاكم لإمارة دبي بعد قيام الاتحاد، ركز على بناء الإنسان، والاستثمار في قدراته، وخدمة شعبه ووطنه، وتحقيق الخير والرخاء له، حيث استغل الإمكانات والفرص المتاحة في ذلك الوقت من أجل التخطيط لحاضر ومستقبل الإمارة التي باتت اليوم مدينة عالمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأصبحت محط أنظار واهتمام رواد الأعمال والمتميزين في مختلف القطاعات، فقد كان عاشقاً لدبي مخلصاً للاتحاد، وترك وراءه إرثاً كبيراً من الإنجازات والمكتسبات التي لا تزال آثارها شاخصة حتى اليوم.

نظرة ثاقبة


تميز الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، بقلة الكلام وكثرة التفكير، وكان يتمتع بنظرة ثاقبة في التخطيط الدقيق للمستقبل، حتى بلغت طموحاته عنان السماء، ولم يكن يوماً يعرف المستحيل، وقضى حياته بحثاً عن التميز والازدهار لدبي والإمارات، فقد أعاد هندسة بناء الإمارة وسرد قصة نجاحها الممتدة لأكثر من 180 عاماً، ليثبت للعالم أن الفكر هو أعظم الموارد، وأن القيادة هي سر النجاح، وأن الإخلاص يبني الإنجازات.
تتلمذ في مدرسة الشيخ راشد، الكثير من القيادات التي أدركت معاني التطوير وأهمية البناء والتشييد، وكيفية الاستثمار في العنصر البشري، وماهية العمل الجاد وأبعاده وأهدافه، وصولاً إلى طريق التقدم والرقي، لاسيما وأنه نهض بدبي بإرادته الصلبة، وشارك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تأسيس دولة الاتحاد.


ترك، طيب الله ثراه، بصمات كثيرة لا تنسى على الصعد الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية، كما كان رجلاً ذا عقل راجح وبصيرة نافذة، سخر وقته وجهده وكل ما لديه لنهضة دبي، حتى صارت لؤلؤة الخليج، وأصبحت نفيسة تروي حكايات نهضتها وتطورها في بلاد العالم أجمع، فقد أدركت في سنوات قصيرة من عمر الزمان من التطور والنهضة في مجالات الحياة كلها ما لا يستطيع غيرها إدراكه في قرون.

بساطة القيادة


دأب الشيخ راشد على حضور اجتماعات والده ومجالسه، وذلك عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره، لينهل من خبرات والده الطويلة، ويتعلم من سيرته العطرة بين حكام الساحل الخليجي، فقد اشتهر والده بعروبته الأصيلة، وحرصه على القضايا العربية وكرهه للاستعمار، وحلمه بالوحدة والأمن والاستقرار، وهي القيم التي ورثها الابن وأكمل مسيرتها.
وكانت البساطة من أهم صفاته، إذ كان يستمع للجميع ويرحب بمشاركة المواطنين في صنع القرار والتنفيذ، وصدقت رؤيته بجعل دبي «دانة الدنيا».


كما كان لمشاركته في مجلس الإمارات المتصالحة دور في التمهيد للاتحاد، فقد كان على قناعة حقيقية بأن مستقبل إمارات الساحل المتصالحة سيكون أفضل إذا توحدت وأمسكت هي بزمام الأمور، وعمل الشيخ راشد مع الشيخ زايد، طيب الله ثراهما، على إصدار وثيقة الوحدة والاتحاد بين دبي وأبوظبي في فبراير عام 1968، وفي العاشر من يوليو من العام نفسه وجه دعوة من أجل المضي قدماً على طريق الاتحاد، واستمر في الدفع نحو الاتحاد حتى أعلن عنه رسمياً في 2 ديسمبر 1971.
وتولى الشيخ راشد منصب نائب رئيس الدولة، إضافة إلى رئاسة مجلس الوزراء، حيث عمل بكل جد على مراقبة أداء الوزارات، لتكون في خدمة الشعب، ولمّا بدأت التحركات للمِّ شمل الإخوة تحت مظلة واحدة، كان من أوائل الذين وضعوا أيديهم في يد الشيخ زايد، بكل عزيمة وجهد وتفان، لاستكمال الحلم الوطني الكبير.

إنجازات متنوعة


أظهرت صفات الشيخ راشد أن لديه سمات القيادة وحسن تدبير الأمور والقدرة على تولي زمامها، وكان عوناً لأبيه في شتى المجالات، خصوصاً في الشؤون الاقتصادية، حيث أسهم في تحسين المعيشة، الأمر الذي أكسبه حباً كبيراً من المواطنين، وقد تولى منصب ولي العهد في دبي منذ عام 1928.


وتعددت إنجازاته قبل توليه الإمارة، وبرز كشخصية قيادية قادرة على تسيير أمور المواطنين وتحقيق النهضة الاقتصادية المأمولة لتخفيف صعوبات الحياة التي كانت تحيط بدبي آنذاك، خصوصاً في أواخر الثلاثينات عندما فرضت الإدارة البريطانية قيداً على استيراد وتصدير المواد الغذائية، ما زاد الحياة صعوبة، فاستطاع بحنكته الالتفاف على القرار الجائر بكل دبلوماسية وذكاء، وأثبت للجميع أنه القائد القادر على تحقيق دبي.

نهضة دبي الحديثة


أسهم الشيخ راشد بجهد كبير في افتتاح البنك البريطاني للشرق الأوسط عام 1954، ووضع شرطاً على المستثمرين لتوظيف أبناء إمارته في المشروع الضخم، وفي عام 1950 افتتح أول مشروع طبي ضخم بتأسيس مستشفى آل مكتوم الذي يعد الأول في الإمارات، وكان يتسع ل38 سريراً، وتوسع عام 1968 ليصل إلى 109 أسرة.


وفي عام 1960، ونتيجة لازدياد عدد السكان، برزت الحاجة لبناء المساكن، فقام بإنشاء دائرة الأراضي والأملاك، وأمر بإنشاء شركة التلفون والبرق واللاسلكي، ثم بلدية دبي عام 1961، وفي العام التالي افتتح أول جسر يربط ديرة ببر دبي (جسر آل مكتوم)، كما أسس في عام 1963 أول بنك وطني وهو بنك دبي الوطني المحدود، برأسمال مليون جنيه إسترليني، ليضع نهاية لاحتكار المصارف الأجنبية.

نهضة اقتصادية


في عام 1959، تم حفر خور دبي ليكون شريان الحياة للمدينة، وتم تأسيس شركة كهرباء دبي العامة، وبدأت أعمال مسح جيولوجي بحثاً عن المياه العذبة، وفي عام 1960 أعلن إنشاء مطار دبي في القصيص، الذي غير وجه الإمارة وجعلها مركزاً لحركة الطيران في المنطقة.
وفي عام 1966 تم استغلال النفط تجارياً، وأنشأ دائرة خاصة بشؤون النفط ودائرة للطيران، كما عمل على توسيع خور دبي، وفي عام 1972 افتتح ميناء راشد البحري لدعم اقتصاد الدولة، وكان من أوائل الداعمين للتجارة والخطوط العالمية حتى أصبحت دبي في عهده مركزاً للتجارة بين الشرق والغرب، وفي عام 1979، شيد الشيخ راشد المعروف اليوم بمركز دبي التجاري العالمي، الذي يعد من أوائل ناطحات السحاب في دبي ورمزاً لانطلاقتها الحديثة نحو العالمية.

التعليم والمعرفة


نشأ الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، على حب المعرفة والشغف بالعلم، وتلقى تعليمه في علوم الفقه واللغة العربية التي كانت توفرها الكتاتيب، ثم التحق بمدرسة الأحمدية في ديرة، فدرس العلوم الدينية والعربية والتاريخ والحساب والجغرافيا، وكان أصغر طلابها، لكنه كان الأكثر اجتهاداً، وهو ما ترك بصمة واضحة على فكره القيادي الناضج.
ولأنه، طيب الله ثراه، أدرك أهمية التعليم والمعرفة في بناء المستقبل، فقد عمل بكل إخلاص لتحسين التعليم في دبي، وأولى المدرسة الأحمدية اهتماماً خاصاً وأشرف عليها منذ عام 1954، كما قدم الدعم المالي لأبناء الإمارة المبتعثين في الخارج، وخصص جزءاً من قصره كمدرسة عرفت باسم «السعيدية» عام 1958، لتتوالى بعدها المدارس الحديثة التي شكلت نواة النهضة التعليمية.
ولم يكن قائداً فحسب، بل كان مدرسة في الرؤية والإصرار والإنجاز، حيث ترك خلفه مدينة متكاملة الأركان، واقتصاداً متيناً، ومجتمعاً متماسكاً تسوده قيم العطاء والتسامح والعمل، لا تزال بصماته ماثلة في ملامح دبي الحديثة في موانئها وجسورها ومدارسها ومؤسساتها الحكومية التي غرس فيها قيم الانضباط والإخلاص، حيث أسس، نهجاً في الإدارة يقوم على العمل الجماعي والتخطيط المستقبلي، وهو النهج الذي واصل أبناؤه من بعده السير عليه، ليكملوا المسيرة ويعززوا الحلم الذي بدأه.

دروس القيادة


علَّم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، الأجيال أن القيادة ليست سلطة بل مسؤولية، وأن الحاكم الناجح هو من يعيش بين شعبه ويعرف همومهم، كان حريصاً على المتابعة اليومية لشؤون الإمارة، يراقب المشروعات عن قرب، ويستمع إلى المواطنين مباشرة، ويؤمن بأن مشاركة الناس في صنع القرار تدعم الثقة وتسرع التنمية.
وتبقى سيرته نموذجاً للقيادة المتواضعة والحكيمة، التي جمعت بين الطموح والإنسانية، بين الحزم والرؤية، وبين الحلم بالاتحاد والعمل الجاد لتحقيقه. فبفضل فكره ورؤيته، تحولت دبي من قرية ساحلية صغيرة إلى مدينة عالمية، يشار إليها اليوم باعتبارها قصة نجاح استثنائية.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا