مارلين سلوم
يبحث كل امرئ عن مساحة من الهدوء يلجأ إليها هرباً من ضغوط الحياة، وربما هرباً من التوتر والقلق وسط ما تشهده المنطقة من حروب وصراعات.. ويبحث البعض الآخر عن مساحة من الرومانسية تنعش الروح يعيش معها ولو لدقائق في عالم من الأحلام والأمنيات ويمتع نظره بجمال الطبيعة والصورة النقية، فلن يقع الاختيار طبعاً على أفلام الرعب التي تملأ الشاشات في مثل هذا الموسم ولا أفلام الجريمة والعنف ولا الأكشن..
الخيار الأول هو الفيلم الرومانسي الخفيف الممتع والأفضل أن يتضمن قصة هادفة لا مجرد تلفيق أحداث للوصول إلى النهاية الحتمية السعيدة؛ وفيلم «أيريش ويش» الذي تعرضه «نتفليكس» يحمل كل تلك المواصفات، والأهم أنه يقدم الرومانسية الناعمة غير الحزينة ولا التافهة، القريبة من القلب ويصدقها العقل حتى وإن لجأت إلى بعض الخيال، لكنه يأتي هنا في خدمة الأهداف، التي تعد أهم ما في هذا العمل وهي ترضي الجمهور من مختلف الأعمار والأذواق.
يخاف النجم عادة من الابتعاد طويلاً عن الجمهور كي لا يصبح منسياً ويأخذ مكانه نجوم يسبقونه إلى المراكز الأولى وكسب ود الجمهور وود صناع الأفلام فيصبح الحصان الرابح في غالبية السباقات، لكن البعض يثبت أن الموهبة الحقيقية لا تموت، وأن الكاريزما نعمة ترافق النجم حتى ولو تقدم في السن أو غاب لسنوات عن الشاشة، وأن الجمهور سيرحب به مجدداً وكأنه لم يغب.
هذا ما تثبته النجمة الأمريكية ليندساي لوهان التي انطلقت في عالم التمثيل منذ طفولتها وانتقلت إلى صفوف المشاهير المحبوبين سريعاً، لكنها عاشت تقلبات كثيرة في حياتها فغابت عن السينما لنحو عشرين عاماً وعادت إليها بفيلم لاقى نجاحاً عام 2022 «فولينج فور كريسماس» (على نتفليكس أيضاً) مع المخرجة جينين داميان، فعبّر الجمهور عن اشتياقه للوهان وحبه لها، ما أثمر عملاً ثانياً وتكرار التعاون بين الفنانة والمخرجة داميان في فيلم نشاهده حالياً على نفس المنصة «أمنية أيرلندية» أو «أيريش ويش»، حافظتا فيه على نفس لون الرومانسية المجبولة ببعض الكوميديا المحببة، مع إضافة بعض الخيال إلى هذا الفيلم لخدمة الفكرة الرئيسية، واستغلال تيمة «الحظ» والأساطير المعروفة في أيرلندا والانتقال بالجمهور من أمريكا، حيث تبدأ القصة إلى أيرلندا؛ إذ تدور غالبية الأحداث.
من حسن حظ الجمهور أن التصوير تم في أيرلندا، ما منحه فرصة الاستمتاع بجمال الطبيعة خصوصاً أن المخرجة خصصت للتصوير الخارجي المساحة الأكبر من الفيلم، والقصة التي كتبتها المؤلفة الكندية كيرستن هانسن والحائزة عدة جوائز، تتناغم مع رؤية المخرجة ومع اللقطات التي أضفت على العمل رونقاً وأسهمت في جعلنا نستمتع به لمدة ساعة و33 دقيقة ونشعر بالراحة النفسية والانتعاش.
مادلين كيلي أو مادي كما ينادونها (ليندساي لوهان) كاتبة قصص تشارك الكاتب المعروف بول كينيدي (ألكسندر فلاهوس) في تأليف روايته الجديدة، وتحضر إلى حفل إطلاق الكتاب وحالة الانبهار والارتباك والتأثر بادية عليها، يقدمها بول للصحافة باعتبارها مساعدته، هو المؤلف وهي المحررة التي تساعده على الكتابة؛ اتصال روزماري (جين سيمور) بابنتها مادي يكشف عن مشاعر الحب التي تكنها لبول وتكتم السر حتى عن أقرب المقربين لها، لاسيما صديقتي الطفولة الأعز إلى قلبها إيما (إليزابيث تان) وهيذر (عائشة كيري)، تشجعها والدتها على الاعتراف لبول فوراً وبلا تردد عن مشاعرها خصوصاً أنه أوحى لمادي بأنه سيعترف لها بسر مهم جداً؛ لكن الرياح تجري بالاتجاه المعاكس، حيث تقرر مادي الاعتراف لبول لكنه يسبقها للبوح بالمفاجأة التي تصدمها؛ إذ إنه قرر التعاون معها مجدداً لإصدار جزء جديد من هذه الرواية واستكمال أحداثها، ما يجعلها تكتم حبها وتؤجل الاعتراف.
ليلة تتوالى الصدمات، مادي الطيبة القلب الخجولة المسالمة تلاحظ نظرة الإعجاب المتبادلة بين صديقتها إيما وبول منذ لحظة لقائهما والتعارف الأول في هذا الحفل، ولأن الكاتبة هانسن لا ترغب في المط بالأحداث بلا أي داعي، تقفز بنا ثلاثة أشهر إلى الأمام لنجد مادي وصديقتيها وبول يصلون إلى أيرلندا من أجل التعرف إلى عائلة بول وإتمام حفل زفاف العاشقين بول وإيما في منزل عائلة كينيدي الريفي الفخم، بينما تواصل مادي كتم مشاعرها والاكتفاء بتهنئة الحبيبين وتمني السعادة لهما؛ لكن «سوء الحظ» يلاحقها فتصطدم برجل في المطار وهي تحاول التقاط حقيبتها، يتنازعان الحقيبة وكل منهما يؤكد بأنها له حتى يتبين أنها للشاب وأن حقيبة مادي لم تصل، ما يجعلها تتأخر عن أصدقائها وتلحق بهم بالحافلة، حيث تلتقي للمرة الثانية بنفس الشاب، مصور إنجليزي يدعى جيمس توماس (إد سبيليرز)، ويترافقان إلى نفس البلدة، حيث يقيم بول.. لقاء يكشف عن تنافر بينهما، انتقادات لاذعة يتبادلانها خصوصاً حين يعبر جيمس عن حبه للقراءة، لكن ليس لبول وكتاباته.
صدمة درامية
يتوقع الجمهور أن ينقلب التنافر بين مادي وجيمس إلى إعجاب، لكن المؤلفة تُحدث نوعاً من الصدمة الدرامية الإيجابية فتمشي عكس التوقعات مضيفة بعض السحر بلمسة تشبه الأساطير، قد يعتبرها المشاهد سطحية، لكنها وفق مسار الأحداث تؤدي الغرض المرجو منها ومناسبة لإيصال رسالة العمل، والتي تُبرز مدى تعلق الإنسان ببعض أحلامه وتوهمه أحياناً بأن سعادته مرهونة بإنسان معين وبأنه من دونه لن يجد الحب والسعادة، وربما يعميه هذا الإحساس عن الحقيقة فلا يلتفت إلى نسبة الانسجام والتوافق بينهما إذا كانت مناسبة ليكمل حياته معه أم لا، ويعميه أيضاً عن رؤية حقيقة الآخرين وقد يتسبب بالأذى لنفسه ولهم بهذا الإصرار.. مادي تمنت من كل قلبها أن تتزوج هي من بول لا صديقتها إيما، فكان لها ما أرادت بغمضة عين، لكن هل أوصلها هذا الواقع إلى السعادة؟
على مقعد في الحديقة تحدث زوبعة يمكن القول إنها زوبعة القدر، تقلب كل الأمور، وتتوالى الأحداث كما تمنت مادي أن تكون، حتى تجد نفسها أمام حقيقة أخرى وتكتشف أن الحب الحقيقي مرتبط بحجم معرفة المرء لحبيبه لا بمدى رغبته في الارتباط به والبقاء بجانبه؛ تقول مادي «يجب أن أعيش قدري» بعد أن تمنت الزواج من بول وكان لها ما أرادت، فهل أدركت الحقيقة بعد فوات الأوان؟
الكيمياء والانسجام
عمق المعنى الذي يصلك من «أيريش ويش» يُثري الفيلم، يجعل القصة أكثر من مجرد حكاية رومانسية وبعض المواقف الكوميدية الطريفة، أن يؤمن الإنسان بالقدر وأن ما كُتب له قد يكون أفضل بكثير مما يسعى إليه ويبقى متحسراً عليه إذا لم ينله، فالآتي بلا شك أجمل وأفضل، وربما الحصول على ما تتمناه يكون بمنزلة نقمة عليك أكثر من كونه نعمة، وقول مادي «سأكتب قصتي بنفسي» يحمل معنى أبعد من معنى الكتابة والرواية التي تتحدث عنها.
الكيمياء والانسجام بين ليندساي لوهان وإد سبيليرز يضيفان إلى العمل نجاحاً، لكن وجود جين سيمور لم يأت بإضافة ربما، لأنها بقيت منفصلة عن باقي الشخصيات ولم تلتق أياً منهم طوال الفيلم، حتى علاقتها بابنتها مادي وتواصلهما بقي عبر الاتصال والفيديو فلم تقف مع لوهان في مشهد واقعي.
[email protected]
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.