منوعات / صحيفة الخليج

«إميليا بيريز».. ميلودراما سوداوية مثيرة للجدل

مارلين سلوم

بعد أيام قليلة، وتحديداً في 2 مارس/ آذار، ينتهي السباق السينمائي الأكبر، مع إعلان النتائج في حفل توزيع جوائز «الأوسكار» لموسم 2024- 2025، وقائمة المرشحين طويلة، إنما كالعادة تنال بعض الأعمال النصيب الأكبر من الترشيحات في مختلف الفئات، فهل تستحق كلها هذا التميز والكثير من الجوائز؟
من المقبلين على «الأوسكار» وهو محمّل بكم من جوائز المهرجانات العالمية وكمّ من الترشيحات، «إميليا بيريز» الذي تناقضت الآراء حوله وأثار الجدل، فهل يستحق فعلاً كل تلك الضجة؟ وهل يمكن اعتباره من القطع الفنية المميزة التي نحفظها في أرشيفنا السينمائي ويمكن مشاهدته مراراً ومن قبل كل الفئات العمرية، خصوصاً أنه يتم تصنيفه كعمل موسيقي كوميدي؟
من حيث التصنيف، لا يمكنك أن تلمح في «إميليا بيريز» أي روح نكتة أو كوميديا تدفعك للترفيه أو للضحك، بل هو ميلودراما تميل أكثر إلى حرب العصابات والإجرام، تتناول قضية شائكة، وعملاً موسيقياً لكنه لا يرتقي إلى مستوى الأفلام الموسيقية الرائعة التي عرفناها في السينما العالمية، مثل «لا لا لاند» و«ماما ميا» و«البؤساء» و«الغناء تحت ».
غضب
«إميليا بيريز» مأخوذ عن عرض أوبرالي لرواية كتبها بوريس رازون عام 2019 بعنوان «اسمع: إميليا بيريز»، وقد اقتبسه المخرج الفرنسي جاك أوديار وحوّله إلى فيلم لا يبتعد كثيراً عن النسخة الأصلية للعمل.
الفيلم مكسيكي بأحداثه، لكنه لم يُرضِ لا الجمهور ولا النقاد المكسيكيين، بل أثار غضبهم، لأن مخرجه فرنسي وقام بتصوير الأحداث في استوديوهات بجوار العاصمة الفرنسية، ولأنه لا يجيد الإسبانية فقد وقعت أخطاء يعتبرها المكسيكيون معيبة في حقهم، سواء من ناحية اللغة أم من ناحية إظهار الفيلم لجوانب سلبية في المجتمع، وإغفاله عن أي تفصيلة إيجابية في الحياة هناك، كما ركز على العصابات والجرائم البشعة والقتل والأحياء الشديدة الفقر، ولم يُلقِ الضوء على أي طبقة اجتماعية مختلفة، ما يوحي للجمهور الذي سيشاهد الفيلم حول العالم بأن المكسيك كلها عبارة عن مستنقع للجريمة والاتجار بالمخدرات والبشر ولا أمن ولا أمان فيها، لاسيما مع الغياب التام للشرطة والجهات الأمنية في هذا الفيلم. أضف إلى ذلك الاعتراض على تقديم عمل يخلو من الممثلين المكسيكيين باستثناء واحدة فقط! كل تلك الانتقادات حقيقية وفي محلها، وقد دفعت بالمخرج إلى تقديم اعتذار إلى الشعب المكسيكي، لكن هل الاعتذار يكفي ويمحو ما قد تم تقديمه وسيبقى خالداً في أرشيف السينما؟ علماً أن كل تلك الملاحظات يلمسها كل من يشاهد العمل بل يشعر بعد الانتهاء منه بشيء من الضيق والتوتر، خصوصاً أنه فيلم طويل يمتد لنحو ساعتين وعشر دقائق، الأغاني والموسيقى فيه جزء من الحوار لكنها لا تمنحك الإحساس بالرفاهية والتحليق عالياً، بل هي استعراضات تتم وسط الشوارع والأحياء الفقيرة، وحده الانتقال من المكسيك إلى سويسرا ومناظر الثلج يغير المشهد من العتمة وباعة البالة والخردة والخضراوات، إلى رفاهية الحياة في سويسرا، وطبقة ثرية وراقية من المجتمع لم نرَها في المكسيك.
نعود إلى القصة، فهي بحد ذاتها تستوقفنا كمجتمعات ولا يمكننا اعتبارها «حدثاً فنياً» نرحب به في بيوتنا وعلى شاشاتنا من دون أن يثير جدلاً طويلاً، فالقضية التي يبدأ بمعالجتها «إميليا بيريز» نحسبها في البداية عن المحامية البارعة إنما المغمورة ريتا مورا كاسترو والتي تؤديها بكثير من التميز والبراعة النجمة زوي سالدانا، تعدّ مرافعة عن متهم بقتل زوجته اسمه غابريال ميندوزا، وبخيالها الواسع ومهارتها الفائقة تنجح في كسب القضية وإخراج موكلها بريئاً من السجن، لكن المشكلة أن محامياً آخر هو من يقف أمام القضاة يردد ما كتبته ريتا وينال الشهرة ويكسب باسمه القضايا، ما يجعلها تبقى في الظل دائماً، ولا تجد مخرجاً لها من أجل تحسين وضعها الاجتماعي، خصوصاً أنها تعيش في حي شديد الفقر، وسط باعة الخردة وأسواق السمك والخضراوات.
فجأة يفتح لها القدر باباً كي تخرج منه إلى الثراء، حيث تتلقى اتصالاً من مجهول يهنئها على كسب القضية، ويطلب منها الحضور إليه ليعرض عليها عملاً يجعلها امرأة ثرية. ومن الطريقة التي يتعامل بها هذا المجهول نفهم أنه زعيم عصابة ثري، يرسل رجاله ليأتوا إليه بريتا.
رسالة
جاك أوديار مخرج وكاتب الفيلم، وشاركه فيه ليا ميسيوس وتوماس بيديجن، يتعمد التركيز على نقاط معينة وتفاصيل ليحمل إلى الجمهور رسالة فتصير الكاميرا شريكة في كتابة السيناريو تحكي لغة أخرى تستكمل بها القصة، فتركيزه مثلاً في المشهد الاستعراضي الأول حين كانت ريتا تكتب مرافعة القضية، على حركة الأقدام، والانتقال بين خيال المحامية وكتابتها للمرافعة على جهاز «اللابتوب» من أمام عربة طعام.. كلها دلالات تشارك في اكتمال المشهد وتضعنا في قلب القصة مباشرة.
حتى هنا نعتقد أن الفيلم يمشي في مسار الدراما الاستعراضية، لكن انحراف القصة عن المسار الطبيعي هو ما يشكل صدمة خصوصاً لمجتمعاتنا العربية، حيث يفاجأ الجمهور بطلب زعيم العصابة الأشهر والفاحش الثراء مانيتاس ديل مونتي من المحامية ريتا أن تجري له بحثاً عن أشهر مكان يجري فيه عملية تحوّل ليصبح امرأة، وهي رغبة رافقته منذ طفولته ولا يمكنه البوح بها لأحد، علماً أنه متزوج من جيسي (سيلينا جوميز) امرأة جميلة ولديهما طفلان. وأمام إغراء المال وحاجتها الشديدة للخروج من المستنقع الذي تعيش فيه، توافق ريتا وتسافر إلى أكثر من دولة وتأتي له بطبيب ويتفق معها على تزوير جوازات سفر زوجته وابنيه لترحيل عائلته للعيش في سويسرا، مدعياً أنه مطارد من عصابات خطِرة ويخاف عليهم من القتل، وهو ما تتولاه أيضاً المحامية وتشرف على سفر الأسرة لتعيش حياة مؤمنة مرفهة، وتعيش ريتا أيضاً في نعيم في لندن، بينما ينال مانيتاس مبتغاه ويصبح اسمه «إميليا بيريز».
لا يكتفي الفيلم بالانحياز لهذه الفئة، بل يجعل من إميليا التي اختار لأدائها ممثلة متحولة في الواقع اسمها كارلا صوفيا غاسكون، بطلة تدافع عن حقوق الإنسان وتسخّر جزءاً من أموالها لإنشاء منظمة خيرية هدفها البحث عن المفقودين والكشف عن العصابات التي تقوم باختطاف الأفراد والعائلات وقتلهم بغرض السرقة، وكأن مانيتاس لم يكن هو الآخر زعيم عصابة!
المحزن أن يتم ترشيح كارلا لجائزة أفضل ممثلة، وهو ما سيعتبره البعض انتصاراً لفئة تسعى إلى فرض وجودها وشذوذها على المجتمعات حول العالم.
زوي سالدانا الأفضل أداء في هذا الفيلم، بينما بدت سيلينا أقل براعة وانتقدها كثيرون بسبب عدم إجادتها الإسبانية كما يجب.

كلمة السر في الترشيحات

هل يتمكن «إميليا بيريز» الذي حسبناه استعراضياً مبهجاً فجاء سوداوياً منحازاً لفئة ومشوهاً لواقع، وزاد من جرعة السوداوية بنهايته المأساوية وكم الجرائم الذي شاهدناه فيه، من حصد كل الجوائز التي ترشح لها في الدورة ال97 من «الأوسكار»؟ ترشيحات عن أفضل فيلم وأفضل ممثلة دور رئيسي وممثلة بدور مساعد وأفضل مخرج وماكياج وموسيقى تصويرية أصلية وأفضل أغنية أصلية وأفضل سيناريو مقتبس وأفضل فيلم ناطق بلغة غير إنجليزية وأفضل تصوير وأفضل مونتاج وأفضل صوت.. تميل اختيارات المرشحين للجوائز السينمائية العالمية غالباً إلى كل ما يشكل صدمة ويثير ضجة ويفتعل قضية تلتصق بشعب وبلد، خصوصاً في فئة الأفلام غير الأمريكية وغير الناطقة بالإنجليزية، وكأن البؤس والجرائم والفقر والغضب وكل ما هو مشوّه ويمس بسمعة دول ويسيء لصورتها ولنظرة العالم إليها، يكون شرطاً أساسياً وكلمة السر التي تمنح المخرجين تأشيرة الدخول إلى عالم «الأوسكار» السحري!

[email protected]

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا