مريم سلطان المزروعي
يُعد التعليم الركيزة الأساسية التي انطلقت منها النهضة الحضارية في الإمارات، فقبل قيام الاتحاد، كان التعليم يستند إلى الكتاتيب؛ وهي حلقات العلم التقليدية التي انصبّ جوهرها على تلقين الأطفال مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم على أيدي المطاوعة. وأدت الكتاتيب دوراً محورياً في ترسيخ القيم الدينية والأخلاقية، غير أنها كانت محدودة في مناهجها وإمكاناتها، الأمر الذي دفع المجتمع إلى التطلع نحو آفاق أوسع لنشر المعرفة وتطويرها. ويستحضر الشيخ حشر بن مكتوم آل مكتوم ذكرياته عن التعليم المبكر، قائلاً: «كنا ندرس القرآن الكريم والحساب، ولم تكن المدارس مثل اليوم. كنت فرحاً بختم القرآن الكريم، ولم أكن أعلم عن الدراسة المستقبلية، حتى جاء المدرسون، وفتحت المدارس في عهد المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم».
مع مطلع القرن العشرين، بدأت إرهاصات التعليم النظامي بفضل جهود الدول الشقيقة، وعلى رأسها الكويت التي بادرت إلى افتتاح عدد من المدارس في «إمارات الساحل المتصالح» بالتعاون مع التجار والوجهاء، وأوفدت المعلمين وزودت المدارس بالكتب والمناهج، ما أحدث نقلة نوعية في أسلوب التدريس. ومن أبرز هذه المبادرات تأسيس المدرسة الأحمدية في دبي عام 1912 كأول مدرسة شبه نظامية، وأسسها التاجر أحمد بن دلموك، قبل أن تتحول عام 1956 إلى مدرسة نظامية متكاملة، لتشكل نقطة الانطلاق الفعلية للتعليم النظامي في الإمارة. ثم تأسست «مدرسة السالمية» عام 1924 لتعزيز البنية التعليمية في مختلف أحياء دبي، كما شهدت افتتاح مدرستين للفتيات هما «خولة بنت الأزور» و«الخنساء»، لتتاح للمرأة فرصة التعليم النظامي لأول مرة في الإمارة. وأرست هذه الجهود قاعدة تعليمية منظمة، وأحدثت تحولاً جوهرياً في المشهد التربوي.
أما أبوظبي، فقد تأخر التعليم فيها نسبياً مقارنة بنظيراتها من الإمارات الأخرى حتى خمسينات القرن العشرين مع بداية عصر النفط. ويروي صديق فتح آل خاجة: «بدأ التعليم في الكتاتيب على يد المطاوعة، مثل محمد سميع ودرويش بن كرم، اللذين أسسا أول مدرسة أهلية في عهد المغفور له الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، حيث تعلمنا القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وحتى كيفية كتابة المراسلات». ويضيف سلطان سعيد المزروعي: «إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، جعل هدفه التعليم وسعى لإدخال العلم إلى كل بيت في المنطقة الشرقية وأبوظبي والظفرة (المنطقة الغربية سابقاً)، فأسس أول مدرسة حملت اسم «النهيانية» في مدينة العين عام 1959، عندما كان حاكماً للمدينة، ثم تبعتها مدرسة أخرى في أبوظبي. كنت آنذاك صغير السن وأرغب في مساعدة عائلتي بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة؛ فالتحقت بشرطة العاصمة (شرطة أبوظبي)، ثم بدأت أتعلم القراءة والكتابة حتى أنهيت الصف الخامس الابتدائي، مع أنني كنت حافظاً لجزء عمّ وتبارك على يد المطاوعة».
أما الشارقة، فشهدت افتتاح «المدرسة القاسمية» عام 1953 بدعم مباشر من حاكم الإمارة وبمساندة مادية من الكويت، لتصبح منارة علمية وثقافية أسهمت في نشر التعليم النظامي. وفيما يتعلق بتعليم الفتيات، تأسست «مدرسة الزهراء» كأول مدرسة للفتيات في الإمارة. ويقول محمد دياب الموسى، المستشار التربوي بديوان حاكم الشارقة: «كان التعليم في السابق مهملاً؛ فلم تكن هناك مدارس، وكانت الظروف الاقتصادية قاسية، فكان التعليم شبه معدوم. قام بعض التجار بإنشاء مدارس شبه نظامية (الكتاتيب)، وكان من يتولى التعليم «المطوع»، وغالباً ما يكون رجل دين.. بدأ التعليم النظامي سنة 1953 في عهد الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، طيب الله ثراه، حين أرسلت دولة الكويت معلمين. وكان مدير المدرسة مصطفى يوسف طه، والمعلم أحمد قاسم البوريني. افتتحت المدرسة في بيت ابن كامل، وهو بيت قديم يضم ست غرف واسعة وحوشاً كبيراً».
وفي رأس الخيمة، شهدت بداية التعليم النظامي عام 1955 تحت إشراف دائرة رأس الخيمة، قبل أن تنتقل مسؤولياته عام 1964 إلى الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي التابعة لدولة الكويت. وفي عجمان، يؤكد الباحث علي محمد المطروشي، المستشار في التراث والتاريخ المحلي بمتحف عجمان، أن «التعليم بدأ عام 1958، غير أن المدارس النظامية لم تستقر إلا بحلول عام 1967». وفي أم القيوين، انطلق التعليم عام 1959 بافتتاح «مدرسة الأمير»، وهي أول مدرسة بنتها الكويت، وقُسمت إلى ثلاث مراحل، بينما في إمارة الفجيرة، تأخر التعليم نسبياً حتى عام 1961 بافتتاح «المدرسة الصباحية» التي عمل فيها المعلم عبدالسلام الخلايله. وبقيت المدارس النظامية تحت إشراف مكتب الكويت التعليمي حتى عام 1971.
مرحلة جديدة
مع تولي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قيادة أبوظبي عام 1966، بدأت مرحلة جديدة من التعليم؛ إذ أدرك أن بناء الإنسان يسبق بناء العمران، فركز على إنشاء المدارس الحديثة في المدن وخارجها، وتكفل بمصاريف الطلبة، وأتاح البعثات الدراسية إلى الخارج، واستقدم معلمين مؤهلين وطور المناهج بما يواكب العصر. وبفضل هذه الجهود، أصبح التعليم المجاني والإلزامي قاعدة راسخة بعد قيام الاتحاد عام 1971، لتتوج المسيرة بتأسيس مؤسسات وجامعات رائدة مثل جامعة الإمارات عام 1976، التي شكلت انطلاقة علمية كبرى. وبذلك يتضح أن مسيرة التعليم في الإمارات، تحوّلت من الكتاتيب إلى مؤسسات تعليمية رائدة، بفضل الرؤية الحكيمة للقيادة، لتثبت أن الاستثمار في بناء الإنسان أساس النهضة والتنمية.
باحثة في التراث
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.