مارلين سلوم
تموج أهواء صناع السينما بين ارتفاع تدفق أفلام تفتح شهيتك لقطع تذكرة والذهاب فوراً إلى الصالة، وأفلام ينخفض معها منسوب النوعية الجيدة، فتستعيض عنها بجلسة مريحة على الأريكة أمام شاشة التلفزيون. وهذه الأيام نعيش انتعاشة مبهجة للسينما العربية، تأخذنا معها صعوداً، وتحثنا على حجز مقاعدنا لمشاهدة أفلام عدة لا تعتمد على أسماء نجوم فقط، بل عمادها الأكبر الحرفة في الصناعة من كتابة وإخراج وتمثيل.. من تلك الأفلام نتوقف اليوم عند «فيها إيه يعني؟» المعروض في الصالات، والذي تشعر معه وكأنك تستكمل مجموعة حلقات من مسلسل عائلي اجتماعي لماجد الكدواني، النجم الذي صار اسمه مرتبطاً في أذهاننا بنوعية أعمال درامية اجتماعية كوميدية راقية تشبه «موضوع عائلي».
فهل تلك الصورة المرسومة للكدواني في أذهاننا هي التي تدفعنا للإحساس بأن الفيلم أقرب إلى العمل التلفزيوني منه إلى السينما، أم أن الإخراج حملنا إلى ذلك الركن البيتوتي الهادئ؟
إذا أردت اختصار الطريق والوصول مباشرة إلى النهاية، نقول لك أن «فيها إيه يعني؟» فيلم جميل، ممتع خصوصاً للمشاهدة العائلية، لكن من المهم التوقف عند أسباب نجاحه وأسباب وقوفه في منطقة وسطية ما بين السينما والتلفزيون، وما بين النجاح المبهر والعبور اللطيف دون الرسوخ طويلاً في الذاكرة.. هنا نأتي إلى أبرز ما نجح في تحقيقه هذا الفيلم، فمكّنه من اجتياز مرحلة الملل التي كاد يدخل فيها، فهو عرف كيف يبتعد كلياً عن سذاجة الكوميديا المفتعلة التي تضحك عليك ولا تضحكك، وجاء أقرب إلى الخفة في كوميديا الموقف والعمق في المضمون الإنساني الاجتماعي دون التعمق في فلسفة الأمور بل الاعتماد أكثر على البساطة في الحوار الذي كتبته دينا ماهر، والمناسب للسيناريو الذي كتبه وليد المغازي ومصطفى عباس ومحمد أشرف. ما يفتقده النص هو بعض التشويق الذي كلما شعرنا بأنه يقترب ليأخذنا نحو الإحساس بالقلق والخوف على مصير البطل صلاح وحبيبته ليلى، يسرع المؤلفون إلى طمأنتنا وإعادتنا إلى منطقة الأمان والاسترخاء، حتى نقترب من النهاية التي حملت تشويقاً أدخلنا في حيرة وفي مجموعة تساؤلات.
«فيها إيه يعني؟» فيلم اجتماعي يربت على قلب الجمهور، من نوعية الدراما التي نحب مشاهدتها في مسلسلات تلفزيونية، تحتمل الكثير من التفاصيل في صياغة مفردات كل شخصية، صلاح (ماجد الكدواني) رجل متقاعد نفهم لاحقاً أنه مهندس ديكور، يعيش مع ابنته الوحيدة ندى (أسماء جلال) وزوجها علاء (مصطفى غريب) وابنتهما الوحيدة أمينة (ريتال عبد العزيز)، أكثر ما يتعمد إظهاره الفيلم هو الجانب الذي يخدم ما ستؤول إليه القصة، فلا نرى ندى سوى مرة في مكان عملها، بينما زوجها علاء يبدو وكأنه بلا عمل، فكل مشاهده سواء في المنزل أو خارجه مع حماه صلاح أو مع ابنته أمينة. ندى إنسانة مهووسة بالنظام والنظافة وتمنع على والدها وأسرتها كل ما يضر بالصحة، بل تفرض عليهم الأكل الصحي المعتمد على الخضار مثل البروكولي.. والدها وزوجها وابنتها يشكلون عصابة ثلاثية تخطط دائماً للهروب خلسة من المنزل من أجل تناول وجبة من المعجنات (الممنوعة طبعاً في المنزل) التي يطلبونها «أونلاين» ويتم استلامها في غرفة حارس الأمن عزت (أيمن وتار) شريكهم في «الجريمة»، مضحك مشهد التآمر عبر الواتساب وتسلل الثلاثي ليلاً إلى غرفة الحارس.
فتح دفاتر قديمة
يتلقى صلاح اتصالاً من سيدة تشتكي من سيارته المركونة في كراج العمارة وأصبحت مأوى للفئران، يكلف صلاح نسيبه علاء بالاهتمام بتنظيف السيارة ويذهب للاطمئنان على شقته في تلك البناية القديمة والجميلة في مصر الجديدة، شقة تحمل الكثير من الذكريات، لكنها فجأة تعيد فتح دفاتره القديمة وتعيد إحياء قصة حب اعتقد أنها انتهت، حيث يرى عاملة تنظف سجادة في شرفة جارته القديمة ليلى (غادة عادل)، يسأل الحارس فيخبره أن ليلى ووالدتها نجية (ميمي جمال) عادتا للعيش هنا. في هذا المشهد ترى تلك النقلة التي يتميز بها ماجد الكدواني، من حالة الإنسان العادي إلى رجل تلمح بريقاً خاصاً في عينيه وتقرأ الدهشة والفرحة بل السعادة كلها على كل تفصيلة في وجهه، وكأنه عاد طفلاً وعاد الحب ليراقص قلبه، يسأل عن ليلى ثم يقف في الشارع ينتظرها طويلاً حتى تعود ويلتقيها.
بساطة وانسيابية
المخرج عمر رشدي حامد تعامل مع هذه القصة بنفس بساطتها وانسيابيتها، وقد نجح في أولى تجاربه السينمائية بفيلم طويل يحترم الجمهور ويليق بالسينما العربية كما يليق بأبطاله لا سيما الكدواني الذي صار نجماً أول يتحمل مسؤولية عمل كامل وحده ويستطيع جذب الجمهور لمشاهدته في الصالات، ولم يعد يحتاج إلى تشكيل ثنائيات مع نجوم كبار حتى يضمن حب الجمهور ولفت انتباهه، حتى غادة عادل في هذا الفيلم تتفيأ في ظل الكدواني مثلها مثل مصطفى غريب وأسماء جلال وطبعاً الممثلة الشابة والجميلة ريتال عبد العزيز، ولا بد من التوقف عند تحية التقدير التي يقدمها الفيلم في بدايته والإهداء إلى روح الممثل الراحل سليمان عيد الذي شارك في هذا الفيلم بدور حسين صديق صلاح، بجانب محمد دسوقي بدور رأفت صديقه الثاني.
هي ليست قصة حب عادية، بل هي مرتبطة بفكرة «فيها إيه يعني؟» السؤال الذي يطرحه كل إنسان يريد تبرير أخطائه أو يريد اختيار طريق مختلف يسلكه في حياته، والسؤال هنا ينطبق على صلاح الذي يريد تجديد العلاقة مع ليلى خصوصاً أنها غير مرتبطة، تطلقت ولم تنجب أطفالاً، بينما صلاح أرمل توفت زوجته حين كانت ابنته ندى في العاشرة من العمر، والأهم أنه لم يتوقف عن حب ليلى التي كانت رفيقته في الدراسة منذ الابتدائية وحتى التخرج في الجامعة.. وتعاهدا على الزواج لكنه تركها من أجل العمل في الخارج مدة عام واحد ووعدها بالعودة سريعاً وانتظرته ولم يعد ولم يعتذر.. فهل مجرد عودة صلاح للعيش بجانب شقة ليلى تكفي لإعادة العلاقة إلى سابق عهدها؟ وما هو موقف ندى الشديدة التعلق بوالدها لدرجة أنها لم توافق على عرض العمل الذي حصلت عليه حديثاً والسفر إلى المكسيك مع زوجها وابنتها إلا بعد حصولها على الموافقة لسفر والدها معهم؟!
تطورات تصنع قصة رومانسية جميلة بين رجل متقاعد وحبيبته التي مازالت تعطي دروساً في الرسم في أحد المعاهد، وتكشف عن إجابات لأسئلة يطرحها كل إنسان في حياته، «فيها إيه يعني؟» يقولها زوج ندى وابنتها ووالدها لمواجهتها بحقيقة كذبهم عليها وإخفاء رفضهم للنظام الصارم الذي تضعه لحياتهم ولنظامهم الغذائي، ويقولها صلاح لندى عند مواجهتها أيضاً بحقيقة علاقته بليلى، ويقولها لليلى التي يواجهها بحقيقة مشاعره وندمه على تركها وحيدة واختفائه بينما بقيت تنتظره طويلاً، وتقولها ليلى لوالدتها للتعبير عن رغبتها في تحقيق حلمها القديم.. قصة تطرح قضية إنسانية اجتماعية بسيطة، نصادفها في الواقع، ولكن هل يعرف الجميع التكيف مع حياته بتلك السهولة؟ نقطة إيجابية تُحسب للفيلم أنه عرض مشهداً لندى خلال زيارتها للطبيبة النفسية وهي تتحدث عن نفسها وعن الخوف الذي لازمها منذ وفاة والدتها فجعلها شديدة القلق وفرض القوانين على أسرتها، وشدة تعلقها بوالدها لدرجة الأنانية، ومن أهم المشاهد هي المواجهة بين ندى وصلاح وسؤالها له عن سبب إخفائه حقيقة علاقته بليلى، وكيف يجرأ على الإحساس بالحب بعد وفاة والدتها، حيث تقول جملة مهمة «المفروض حياتك توقف»، جملة تختصر كل معنى الفيلم وهدفه، وكأنه يضع أصبعه على جرح يؤلم كثيراً من الناس يعانون تلك النظرية الخاطئة التي يحكم عليهم المجتمع وأقرب الناس إليهم من خلالها، من يتقدم به (أو بها) العمر والأرمل والمطلق والعازب.. كل من يخشون تحقيق أحلامهم والبحث عن سعادتهم خوفاً من الآخرين ومن نظرة المجتمع، فيخافون المواجهة وربما يفضلون الهروب والعيش كما يحلو لهم في السر كما فعل صلاح وعلاء وأمينة الذين استمتعوا بمذاق الطعام الذي يحبونه سراً وعاشوا وفق قوانين ندى علانية.
تفاصيل أكثر
الفيلم يمتد لأكثر من ساعتين لكن في قصته ما يتحمل تفاصيل أكثر، الإخراج جيد والتصوير في الشوارع والأغاني المرافقة للفيلم رائعة، ماجد الكدواني يواصل تألقه وارتقاءه صعوداً، وشكل ثنائياً جميلاً مع مصطفى غريب الذي أصبح متمرساً في الكوميديا الهادئة والراقية، غادة عادل بدت وكأنها غير متحمسة لدور ليلى فلم تقدم أي إضافة، كذلك أسماء جلال بدت عادية، بينما برزت الشابة ريتال بعفويتها، وميمي جمال مازالت تقدم لمسات مختلفة في كل إطلالة سينمائية وتلفزيونية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
