سياسة / اليوم السابع

مفتى : مقدساتنا مستهدفة وقبلتنا الأولى ينكل فيها بشعب شقيق

كتب لؤى على - تصوير

الإثنين، 29 يوليو 2024 04:02 م

قال الشيخ هشام محمد المختار بن محمود، مفتى الجمهورية التونسية: "نعيش ظروف حاسمة ودقيقة يمرّ بها عالمنا الإسلامى وتُستهدف فيها مقدَّساتنا وقِبلتنا الأولى ويُنَكَّل فيها بشعب شقيق عزيز علينا فى الأرض المباركة التى بارك الله حولها وفى غزَّة العزَّة حيث تُستباح الكرامة والدّماء بشكل لم يسبق له مثيل ويُشرَّد شعب أبى على مرًاى من عالم لطالما أوهمنا بحقوق الإنسان وكرامة الشعوب".

 

وتساءل خلال كلمته بجلسة الوفود بـ المؤتمر العالمى التاسع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، المنعقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، أين الضوابط الأخلاقية؟ إنّها الإبادة الجماعيّة العلنيّة لشعب أبى إلا أن يدافع عن حقِّه ويسترجع ما نُهب منه.

 

وأضاف: هكذا يتجدَّد اللقاء بكم لتدارس قضية كبرى هى ركيزة من ركائز الفتوى، محورها: تصوّرنا للبناء الأخلاقى منهجًا ومنطلقًا وسبيلًا فى عالم تتوالى فيه التحدّيات والقضايا المتسارعة المتجددة فكريًّا وعقائديًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا... بشكل قد يُربك الفكر بما يحتّم علينا من جانب مواكبة هذه السرعة الفائقة للقضايا المستجدّة والتى تتطلب حلولًا وإجابات تساير الواقع وتحافظ على الثوابت والأبعاد المقاصدية للدين.

 

وهى تحديات تواجهنا على جبهات متعددة: فردية، جماعية، وطنية وعالمية وعبر المجامع العلمية والاجتهاد الجماعى، إنها تحديات تقتضى منا إيجاد قواسم مشتركة بين واقعنا المتغير بسرعة ومقاصد شريعتنا التى قامت فلسفتها على التأنّى والثبات الذى نستمدّ أبعاده من تِلكُم الآيات التى أُنزلت على قلب النبى الأعظم سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ولدعوته لقراءة القرآن على مُكث مراعاة للقدرات البشرية وتثبيتًا للأقدام ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾.

 

وأكد أن تحقيق المعادلة بين متطلبات التطوّر وتنوّع القضايا من ناحية والحفاظ على قدسيّة النصّ ومراعاة الأبعاد المقاصدية للدين التى أكدت عليها المصادر الأساسية للشريعة وحتى الفرعية هو دور الإفتاء اليوم وهو دور دقيق وحسّاس يقتضى منا التواضع والتكامل بعيدًا عن الغرور وادعاء الحكمة ورفض الرأى الآخر والانغلاق المذهبى والتعصّب، ولئن كانت مجالات الفتوى فى العهود الخوالى مقتصرة فى غالب الأحيان على الفروع الفقهية وقضايا الأحوال الشخصية ومواطن العبادة ومسالك التعامل المحدود باعتبار الإسلام دين عقيدة وعمل، فإنّ تحديات الفتوى اليوم وتعدّد مجالاتها وتسارع القضايا التى يُحتِّمها واقع متغيِّر سريع تتطلب مزيدًا من التأمّل فى إطار عمل جماعى تتكاتف فيه جهود أهل الاختصاص الفقهى والدينى، وكذلك فى مجالات لها صلة بالقضايا المطروحة حتّم الواقع التفاعل معها لنصل إلى إجابات تواكب القضايا المعاصرة وتحافظ على مقاصد الدين.

 

وتابع: إنَّه بتأمُّلنا كمقارنة بين المستجدات من القضايا المعاصرة وما تناوله السلف عبر القرون سنجد عناوين خلَّدها التاريخ من موافقات وفروق وأشباه ونظائر وموطأ الإمام مالك ورسالة ابن أبى زيد، وذلك على سبيل الذكر وصولًا إلى خصائص ومذاهب أهل السنَّة والجماعة والتى تجلَّت فيما حبَّره بإبداع أحد أبرز علماء الأزهر الشريف الشيخ محمد أبو زهرة حول أئمة الاجتهاد إلى غير ذلك من إبداعات السابقين واللاحقين.

 

وأضاف لقد استوقفتنى كلمات هى مفاتيح وإن كانت متعلقة بقضية أكثر شمولًا وهى إرادة الله وإرادة الإنسان، والتى ذكرها العلامة أبو حيان التوحيدى فى البصائر والذخائر حيث يقول: "اعلم أن الحق قد تولَّاك بإرادتين: إرادة منك وإرادة بك، فأما إرادته منك فإنه أبانها لك بلسان التكليف والتوفيق وأما إرادته بك فإنّه لوّاها عن كل تعريف وتكييف ثم أثبت حجيّته عليك. فإن قابلت الأمر بالائتمار والنهى بالإشهاد والدعاء بالإجابة والهداية بالاهتداء فقد صادقت إرادته منك وإرادته لك".

 

وأضاف: ولسائل أن يسأل: ما صلة هذا الاستشهاد بقضية الحال؟ ونحن نتناول: "الفتوى والبناء الأخلاقى فى عالم متسارع" فما ذلك هنا فى حقيقة الأمر إلا وضعًا للقضية فى إطارها أى أن تكون الفتوى قائمة على منطلقات ثابتة وضوابط تحصّنها من أخطار الانزلاق والاندفاع والذى قد يؤدّى بنا إلى الفتوى فى قضايا معاصرة دقيقة بما لا يرضى الضمير ولا يواكب منهجنا الإسلامى الذى عليه قوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، من هنا نصل بكم إلى حتمية وضع ضوابط وقواعد نعود إليها وننطلق منها كالمعادلات الجبرية بدرجاتها المختلفة وذلك فى مجالات:

- التعامل المالى عبر المصارف الإسلامية وتجنب الالتباس بين متاهات الرّبا والمضاربة والمرابحة.

- التعامل بحذر وعبر الاعتماد على كفاءات علمية تخاف الله للإجابة على تحديات قضايا الإنجاب (طفل الأنبوب، بنوك النطاف، استعارة الأرحام...) والحيلولة دون اختلاط الأنساب وتغيير خلق الله ومعالجة التشوّهات الخلقية داخل الأرحام، وهو البعد الأخلاقى الواجب اعتماده فى هذا المجال.
- التعامل فى مجالات الذكاء الاصطناعى ومحاولة إحلال الربوتات محل الجهد الإنسانى بحيث تصبح الآلة هى وسيلة الإبداع محل ذلك الإنسان الذى أودع الله فيه عجائب خلقه وحمّله أمانة الاستخلاف.
- قضايا المثلية: والتبجّح والانحرافات فى العلاقات الجنسية بما قد يؤول بنا إلى القضاء على النوع البشرى وجعل الاستثناء قاعدة يعمل بها وتعوّد الناس عليها.
- قضايا المخدرات والطرق الجهنمية لسلب الإنسان قدراته العقلية وجعله يعيش فى أوهام ومتاهات بعيدة عن واقع الحياة بما يبعده عن أداء دوره كمستخلف فى الأرض.


فى السياق ذاته أوضح فضيلة مفتى الجمهورية التونسية، أن الصراع صراع وجود بين قيم وثوابت ومكارم وسموٍّ بما يتطلب منا أن نغيّر مناهج تفكيرنا وأساليب تناولنا للقضايا وتجاوز الخلافات اللفظية والمذهبية، وذلك بالانزواء والانطواء الفكرى والغرور والاستعلاء واستصغار إبداعات الآخر.


وأشار إلى أن ما نعيشه اليوم من محاولة تشكيك فى مصادرنا ومساس بثوابتنا وتطاول على ما خطَّه الأولون وحققه المحققون، حفاظًا منهم على المصدرين الأساسيين لشريعتنا: كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم قولًا وفعلًا وإقرارًا، والتطاول على هاماتنا العلمية ومجتهدينا ورجال فكرنا واستباحة الأعراض والحرمات والتشكيك فى الثوابت وفى المتغيرات، هى تحديات تتطلب منا أداء الأمانة على وجهها الأكمل فى إطار من العمل الجماعى وعبر مجامع الفقه والبحوث الإسلامية وجامعاتنا العتيدة، بما يثرى الفكر ويتيح التواصل عبر تكنولوجيات الاتصال الحديثة والمتعددة التى تيسِّر تبادل التجارب والآراء، قائلًا: ألم يقل سبحانه: ﴿وَالذينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾.(4)


وقال: "إن العلَّامة السيوطى قد أبدع حقًّا فى دعوته إلى جعل الاجتهاد سبيلًا للحياة وردًّا على الجمود الفكرى الذى دفعنا بسببه ما دفعنا من تبعات واتهامات وذلك فى كتابه " الردّ على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد فى كلّ عصر فرض"، فلنجعل من الاجتهاد ومن الإجابة على القضايا التى تواجهنا اليوم سبيلنا وطريقنا الأقوم شريطة وضع ميثاق أخلاقى يلزمنا جميعًا بالضوابط التى قامت عليها شريعتنا؛ حفاظًا على إنسانيتنا وأخلاقنا وذلك عبر مراعاة: الأبعاد الاجتماعية، والفهم لقضايا العصر ومتطلبات المعاصرة، ودعم حقوق الإنسان وكرامته وحريته والقدرة على اكتساب معارف متنوعة الخصوصيات العلمية والفكرية والثقافية وأعراق الشعوب والاستجابة لطموحات الأجيال وفتح الآفاق ونشر الأمل والتفاؤل بعيدًا عن الافتراء على الله متعظين بقوله: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أن الذينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾.


وفى ختام كلمته أشار إلى أن مؤسسة الإفتاء بالجمهورية التونسية، تعمل بكلِّ ما أوتيت من جهد على إيلاء الجانب الأخلاقى بما يمثله من أثر وتأثير فى بناء الأفراد والمجتمع المسلم، وذلك بإعطائها الأهميّة القصوى عبر الوسائل الإعلامية المتعارفة، ومن ذلك حرصنا على تطوير ديوان الإفتاء فى مختلف مجالات اختصاصه لترقى إلى مستوى الفتوى المعاصرة الفاعلة فى محيطها والمجيبة عن التساؤلات وما يعترض المواطن من حيرة وخوف من سلوك قد يتنافى مع الدين ومقاصده.


كذلك عبر ربط الصّلة المباشرة بالمواطنين للإجابة عن تساؤلاتهم ومحاولة رأب الصدع فى بناء الأسر ضمانًا للحفاظ عليها وسلامة الأبناء من متاهات الفرقة والانحراف وحتى تسلم الأجيال من خطر الانزلاق إلى الغلوّ والتطرّف والاستناد على فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، أُسوة بالمنهج المحمّدى الذى كرّم الإنسان عبر تزكية فكره وخُلقه فكانت رسالة الإسلام هى رسالة الأخلاق بامتياز بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق".


وأكد مفتى ، أنها دعوة ملحّة إلى إحياء هذا المنهج وجعله سبيل عملنا لتربية النشء على قيمنا الإسلامية السّامية بما يؤثّر إيجابًا على السّلوك العام فى المجتمع عبر توظيف كلّ الوسائل الإعلامية والاتصالية والتى من الواجب التزامها بالقيم الإنسانية والأخلاقية التى تَمثّلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى سيرته العَطرة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا