كتب محمود عبد الراضي
السبت، 01 مارس 2025 05:30 مفي ليالي رمضان المضيئة، يحرص المصريون على سماع أصوات قراء القرآن التي تملأ الأرجاء قبل آذان المغرب، تلك الأصوات التي تملك قدرة عجيبة على تهدئة النفوس وإضاءة الروح، حيث يظل قراء القرآن المصريون جزءًا لا يتجزأ من طقوس الشهر الفضيل.
إن تلاواتهم المرتلة ترتبط بالوجدان المصري، وتغذي قلوب الصائمين، حيث تصبح لحظات الاستماع إلى القرآن قبل الفطور بمثابة رحلة روحانية نحو الطمأنينة والإيمان.
أبو العينين شعيشع، الصوت الذي رافق قلوب الملايين، يحمل بين حروفه جمالاً لا يمكن تقليده أو محاكاته، ولقد أثر في وجدان الأمة بصوته الذي طاف حول أرجاء العالم، وُلد في مدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ عام 1923، وسرعان ما أبدع في تلاوة القرآن الكريم منذ أن كان طفلًا.
في عام 1936، ظهرت براعته لأول مرة في حفل أقيم بمدينة المنصورة، وكان ذلك هو فاتحة الطريق لصوت سيصبح من أكثر الأصوات شهرة في تاريخ تلاوة القرآن في مصر والعالم الإسلامي.
كان شعيشع في بداية مشواره الإذاعي عام 1939 متأثرًا بصوت إمام المقرئين محمد رفعت، الذي كان يشكل بالنسبة له قدوة ومرشدًا في عالم التلاوة، وبدأت الإذاعة المصرية في الاستعانة به لتحسين التسجيلات التالفة لصوت رفعت، فبرزت براعة شعيشع في تقليد هذا الصوت المهيب، ولكن لم يلبث أن أخرج أسلوبه الخاص الذي أصبح علامة فارقة في عالم التلاوة. صوت شعيشع لم يكن مجرد كلمات تُتلى بل كان همسات روح تصعد إلى السماء، تأسر الأذان وتُذيب القلوب.
أما عن مسيرته في الإذاعة المصرية، فقد بدأ شعيشع بتقديم تلاواته في أوائل الأربعينيات، مستعرضًا من خلالها الأساليب الجديدة في التلاوة التي تمتاز بنغمات فريدة، حيث أضاف إليها إبداعه الخاص بعد سنوات من التدريب، حتى أصبح أول قارئ مصري يقرأ في المسجد الأقصى، ليحمل صوته بين أروقة أولى القبلتين وثالث الحرمين. ولم تقتصر نجاحاته على مصر وحدها، بل شملت دولًا عربية مثل سوريا والعراق، حيث رحب به الجمهور هناك باحترام وتقدير.
مؤلمًا ولكن مؤثرًا، كان مرض الصوت الذي أصابه في أوائل الستينيات، مما جعله يبتعد لفترة قصيرة عن التلاوة، لكنه عاد أقوى وأصمد ليكمل رسالته السامية. عاد ليُعيّن قارئًا لمسجد عمر مكرم في 1969، ثم مسجد السيدة زينب في 1992، ليظل صوته مرافِقًا للصلوات والتلاوات إلى أن أصبح أحد الأركان الأساسية في مشهد التلاوة المصري.
ولم يكن نضاله مقتصرًا على التلاوة فحسب، فقد ناضل في السبعينيات لإنشاء نقابة القراء مع عدد من كبار القراء، وانتُخب نقيبًا لها في 1988. كما شغل العديد من المناصب الرفيعة مثل عضوية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وعمادة المعهد الدولي لتحفيظ القرآن الكريم.
حصل أبو العينين شعيشع على العديد من الجوائز والتكريمات، أبرزها وسام الدولة في 1989 ووسام الرافدين من العراق، بالإضافة إلى الكثير من الأوسمة من دول أخرى تقديرًا لإسهاماته في خدمة القرآن الكريم.
ورغم أنه فارق الحياة في 23 يونيو 2011 عن عمر يناهز 88 عامًا، فإن صوته سيظل خالدًا في آذاننا وقلوبنا، محملًا بالسلام والإيمان. أبو العينين شعيشع هو بحق واحد من أعظم القراء في تاريخ الأمة الإسلامية، وقد ترك خلفه إرثًا يتحدث عن نفسه. صوتٌ حي لا يموت، ومسيرة من النقاء والصدق لا تندثر.
شهر رمضان في مصر ليس مجرد فترة صيام، بل هو رحلة روحانية تتجسد فيها الطقوس المتجددة، ومن أبرزها استماع المصريين لتلاوات قرآن مشايخهم المفضّلين، مع دقات أذان المغرب، تملأ أجواء المنازل والشوارع أصوات القراء الكبار ليصبحوا جزءًا من الروح الرمضانية، هذه الأصوات العذبة التي تلامس القلوب قبل الفطور، أصبحت جزءًا من هوية الشهر الكريم، حيث تمزج بين الهدوء والسكينة، وتعيد للأذهان ذكرى إيمانية طيبة تمس الأعماق، فتجعل كل لحظة من رمضان أكثر تقديسًا.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.