شمال سيناء - محمد حسين

السبت، 12 أكتوبر 2024 07:00 ص

تُعد سبخة الشيخ زويد من أبرز المعالم الطبيعية والتاريخية فى شمال سيناء، حيث تجمع بين الأهمية البيئية، الاقتصادية، والتاريخية، وهو ما يجعلها منطقة فريدة تحمل مزيجًا من الأحداث التاريخية والخصائص الطبيعية التى قلّما تجتمع فى مكان واحد.

تقع السبخة على بعد 2 كم فقط من ساحل البحر المتوسط، شمال مدينة الشيخ زويد، وتشغل مساحة تبلغ حوالى 2 كم².

هذه المنطقة تتمتع بتضاريس منخفضة تغمرها المياه المالحة فى فصل الشتاء وتتحول إلى مساحات جافة فى الصيف، ما يتيح للملح الطبيعى الظهور على سطح الأرض. وتشكّل السبخة بيئة حيوية للعديد من الطيور المهاجرة والنباتات التى تتكيف مع الظروف القاسية للمكان، إلى جانب أنها كانت شاهدًا على مسار العديد من الأحداث التاريخية التى تركت بصمتها عبر العصور.

تعتبر سبخة الشيخ زويد بيئة غنية بالتنوع البيولوجى، فهى موطن مؤقت لأنواع عديدة من الطيور التى تجد فى المكان بيئة مثالية للاستراحة خلال هجرتها الموسمية.

فى فصل الشتاء، تغمر المياه المالحة المنطقة بالكامل، مما يحوّل السبخة إلى بحيرة ضحلة تجذب الطيور الشتوية، مثل البط الشرشير الشتوى، البط السمارى، والبط الخضارى. هذه الطيور تجد فى السبخة ملاذًا آمنًا للتغذية والراحة قبل استكمال مسارات هجرتها الطويلة.

فى فصل الخريف، تُصبح السبخة ممرًا طبيعيًا للطيور المهاجرة التى تتجه نحو أفريقيا هربًا من برودة أوروبا وآسيا. تعتبر السبخة نقطة توقف حيوية لهذه الطيور قبل استكمال رحلتها الطويلة إلى الجنوب. هذا التنوع فى الطيور المهاجرة يجعل المنطقة وجهة مفضلة لعشاق مراقبة الطيور والمهتمين بالحياة البرية.

إلى جانب الطيور، فإن السبخة تتيح الفرصة لنمو بعض النباتات التى تتكيف مع الظروف البيئية القاسية، مثل ارتفاع نسبة الملوحة والجفاف خلال فترات الصيف. هذه النباتات تلعب دورًا هامًا فى الحفاظ على التوازن البيئى للسبخة وتوفر موائل للحيوانات الصغيرة والكائنات الدقيقة التى تعيش فى المنطقة.

لم تقتصر أهمية سبخة الشيخ زويد على كونها موطنًا للحياة البرية والطيور المهاجرة فقط، بل امتدت إلى كونها منطقة ذات بعد تاريخى عميق.

فقد كانت السبخة جزءًا من ممر حورس الحربى، وهو الممر الذى استخدمته الجيوش المصرية القديمة فى حملاتها العسكرية ضد الأعداء فى الشمال والشرق. كانت هذه المنطقة نقطة استراتيجية لا غنى عنها عبر التاريخ، حيث مرّ من خلالها العديد من الجيوش والمعارك التى غيرت مجرى التاريخ.

وعبر هذا الممر، كانت الجيوش تتحرك بين مصر وبلاد الشام، وهو ما جعل المنطقة مسرحًا لأحداث تاريخية مهمة تعود إلى عصور الفراعنة وصولًا إلى الفتح الإسلامي.

كانت السبخة أيضًا جزءًا من شبكة الطرق التجارية القديمة التى استخدمها التجار لنقل البضائع بين مصر وبلاد الشام والعراق. هذه الأهمية الإستراتيجية جعلت من سبخة الشيخ زويد جزءًا لا يتجزأ من تاريخ المنطقة، حيث كانت الجيوش والتجار يعبرون السبخة فى طريقهم إلى أهدافهم.

إضافة إلى أهميتها البيئية والتاريخية، تشكل سبخة الشيخ زويد مصدرًا اقتصاديًا مهمًا لسكان المنطقة. فى فصل الصيف، ومع انحسار المياه المالحة، تبدأ عملية استخراج الملح من السبخة.

يُعتبر الملح من الموارد الطبيعية الثمينة التى يعتمد عليها سكان المنطقة فى توفير مصدر دخل إضافي. هذا الملح، الذى يتميز بجودته العالية، يستخدم فى الطهى والتصنيع، ويعتبر من السلع المهمة التى تسهم فى دعم الاقتصاد المحلي.

تُعد عملية استخراج الملح من السبخة تقليدًا قديمًا استمر لعدة قرون، حيث يستفيد السكان من الظروف الطبيعية للسبخة لاستخراج هذا المعدن الحيوي.

إلى جانب ذلك، تلعب السبخة دورًا فى تعزيز الأنشطة السياحية فى المنطقة، حيث تجذب الزوار الذين يرغبون فى مشاهدة الطيور المهاجرة والاستمتاع بجمال الطبيعة الخلابة للسبخة.