سيناء ـ محمد حسين

في عمق جبال سرابيط الخادم جنوب سيناء، لا تحتاج أن تطرق بابًا لتعلم أن هناك من يسكن هذا المكان. يكفي أن ترى قطيعًا من الأغنام الجبلية يستظل تحت شجرة سيال، أو يتنقل بهدوء بين الصخور، أو يقف ساكنًا في ظل جبل، لتفهم أن الحياة هنا لا تزال تنبض رغم صمت الصحراء.

تتحرك الأغنام والماعز الجبلية كأنها تعرف الدروب والوديان أكثر من أي دليل، تسير وحدها أحيانًا، وأحيانًا خلف راعٍ بخطوات ثابتة، لا تعوقها تضاريس ولا حرارة الشمس. حين تخرج في الصباح الباكر بحثًا عن نبتة خضراء أو قطرة ماء، فإنها ترسم على الطبيعة لوحة تروي قصة حياة في عزلة، لكنها مملوءة بالكرامة.

يقول سالم العليقات، أحد سكان المنطقة: "الأغنام عندنا مش مجرد مواشي.. هي بركة، ووجودها من وجودنا.. البدوي من يومه يربيها، لأنها اللي بتأكل بيته، وتدفيه، وتعيش معاه في الحل والترحال."

ولا تقتصر علاقة البدو بالأغنام على الرعي فقط، بل يمتد حضورها في حياتهم اليومية بكل تفاصيلها، من المأكل إلى الصناعة اليدوية. فبعد الذبح، تتحول الجلود إلى أدوات أساسية وهي القِربة لحفظ الماء في رحلات الصحراء، والسعن لخض اللبن وإنتاج الزبدة ، والجاعد، قطعة دافئة من الجلد بصوفه تُستخدم كغطاء للظهر في ليالي الشتاء القاسية، وأحيانًا تُفرش الجلود على الأرض كزينة طبيعية أو فراش صحراوي فاخر.

وفي مشهدٍ متكرر، ترى الأطفال وهم يلعبون إلى جانب الأغنام، يساعدون أهلهم في الرعي، ويتعلمون أسرار تربية المواشي قبل أن يتعلموا القراءة والكتابة. فتربية الأغنام في هذه المناطق ليست هواية، بل مدرسة للحياة، وطقس من طقوس الصبر والرزق.
يقول عبدالله على، شاب بدوي يرافق القطيع في نوبات الرعي: "نخرج من بعد الفجر، نمشي ساعات، نعرف أماكن العشب، وكل مكان له موسم. الأغنام تعرف أين ترعى، ونحن نعرف كيف نحفظها من الذئب والعطش."

وفي ظل تطور الحياة وتغيرها، ما زالت الأغنام الجبلية جزءًا لا يتجزأ من مشهد جنوب سيناء، تعكس ثقافة مكان وصوت أهل. وحتى الزائر الأجنبي الذي يتجول بين الصخور لا يسعه إلا التوقف والتقاط صورة لهذا المشهد الحيّ الذي يوصل رسائل الطبيعة: "هنا، لا يزال الإنسان يعيش بتناغم مع الأرض، ومع حيواناته التي تشاركه الصمود."

الماعز الجبلي بجنوب سيناء

تنتشر بين الجبال