رحل الفنان سليمان عيد بصمت، لكنه ترك خلفه صدىً كبيرًا في قلوب محبيه وزملائه، وملفًا مفتوحًا عن موهبة لم تنل حقها كما يجب، هو واحد من أولئك الفنانين الذين لامسوا وجدان الجمهور بأدوار صغيرة، لكنها كانت تنبض بالصدق والعفوية.
لم يكن سليمان مجرد "صانع إفيهات" عابر، بل كان حالة فنية عميقة، سُجنت طويلًا داخل قالب "الكوميديان الطيب"، فيما كانت موهبته الحقيقية تتوق للخروج، للشر، للدراما، للتراجيديا، لأي مساحة تتيح له إثبات أنه ليس مجرد مضحك فقط، بل فنان قادر على التحوّل لأي شخصية تسند إليه.
منذ ظهوره، التصق به دور "البسيط" أو "الساذج" الذي يُضحك الناس بسهولة، لكنّ خلف هذه الأدوار كان يخفي حلمًا أكبر، وطموحًا لم يُلبّ.
عام 2006، سنحت له فرصة نادرة عبر مسلسل "درب الطيب"، حين جسّد شخصية "بوصيري" التي عبرت بين مراحل عمرية مختلفة، وتحولات نفسية دقيقة. هذا الدور شكّل نقطة تحوّل في مشواره، وذكّر الجمهور والنقاد أن الكوميديان الجيد، حين يُمنح الفرصة، قد يصبح ممثلًا ثقيلًا وصاحب بصمة.
هذه التجربة أعادت للأذهان مغامرة المخرج يحيى العلمي حين اختار أحمد بدير لبطولة "الزيني بركات" في التسعينيات. وكذلك فعل المخرج نادر جلال، حين غامر بسليمان في "درب الطيب"، متجاهلًا صورته النمطية. سليمان نفسه قال إنه كان "مخضوض" من حجم المسؤولية، لكنه أداها بإخلاص كبير.
ربما لا يعرف كثيرون أن أحد أكثر أدوار سليمان التي تمنّاها، كانت عكس صورته تمامًا: الشرير. لكنّ المخرجين – كما قال هو في أحد آخر حواراته – كانوا يرون في ملامحه طيبة تمنعه من أداء أدوار الشر.
ورغم رغبته القديمة في كسر الصورة النمطية التي لاحقته، لم يجرؤ أحد من صناع الدراما على منحه تلك المساحة، حتى جاء المخرج عمرو موسى ومنحه فرصة مختلفة في مسلسل "ساعته وتاريخه". هناك، نجح سليمان في كسر النمط مجددًا، مقدّمًا دورًا بعيدًا عن "المنطقة الآمنة" التي يلوذ بها كثير من الممثلين مع التقدّم في العمر. لكنه، كعادته، اختار السير في الاتجاه المعاكس، وقرر المغامرة. أثبت من جديد أن الموهبة الحقيقية لا تشيخ، بل تدهشنا كلّما تحررت من سجن التصنيف.
لم يكن مأزق سليمان فنيًا فقط، بل ماديًا أيضًا، تحدّث بألم عن مشروعين كانا كفيلين بتغيير مسيرته تمامًا: "معسكر حب"، و"حسن حسين أوباما"، اللذان توقفا قبل خروجهما للنور. وفي أحد المواقف المؤلمة، رفض منتج منحه بطولة فيلم، قائلاً: "مين سليمان عيد ده مش هشيل فيلم!"
لكن سليمان لم يستسلم. ظل يعمل، يقبل ما يُعرض عليه، ويؤدي الدور – أيًا كان حجمه – كما لو أنه البطولة الوحيدة في حياته.
قالها بصراحة وبدون مرارة: "مكنش عندي رفاهية أرفض دور، كنت باكل عيش من الفن، ومكنتش مستني بطولة."
بعيدًا عن الشاشات، كان سليمان إنسانًا محبوبًا وسط الجميع، من أجيال مختلفة. ظهوره مؤخرًا في مقاطع مرحة مع الفنان كريم محمود عبد العزيز على "تيك توك"، كان دليلاً على أنه ما زال يحتفظ بروحه الشابة، وقلبه الطيب الذي لا يعرف اصطناعًا.
حتى الراحل علاء ولي الدين، كان يرى فيه نجمًا قبل أن يعرفه الجمهور، وقال عنه في حوار لجريدة الأهرام سنة 1999: "سليمان هيبقى ممثل كوميديا خطير في مصر." وقد تحقق جزء من هذا التوقع حين شارك في "الناظر"، الدور الذي قال سليمان إنه فرح به كثيرًا حين بدأ الناس يتعرفون عليه.
رحل سليمان عيد ولم يقل كلمته الأخيرة بعد. لم ينجح السوق في إعطائه ما يستحق، لكنّه لم يسمح له بأن يكسر حماسه أو يبدّد إخلاصه. ظل يعمل، حتى وهو يدرك أن "الفرصة الكبرى" قد لا تأتي أبدًا.
سليمان عيد، فنان يستحق أكثر مما نال، والذي عرف كيف يكون وفيًا للفن، حتى وإن لم يكن العائد كما تمنى. رحمه الله، وجعل مثواه الجنة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.