رأي – بتجــرد: على مدى أكثر من سبعين عاماً، استطاعت شركة الصبّاح للإنتاج أن تكرّس نفسها كإحدى أهم ركائز الدراما العربية، محتفظةً بتاريخٍ حافل بالنجاحات التي جعلت اسمها مرادفاً للإنتاج الراقي والمواسم الرمضانية الكبرى. غير أن هذه المسيرة الطويلة، التي احتفلت الشركة مؤخراً بمرور 71 عاماً على انطلاقتها، تستحق اليوم قراءة نقدية متأنية، توازن بين الإشادة بالمجد الذي بُني عبر العقود، والتساؤل حول تراجع البريق في السنوات الأخيرة.
ذروة النجاح بين 2014 و2019
خلال تلك المرحلة، بلغت الصبّاح قمة نضوجها الفني والإنتاجي، مقدّمةً أعمالاً أصبحت علامات فارقة في الدراما العربية المشتركة. البداية كانت مع مسلسل “لو” الذي جمع نادين نجيم وعابد فهد ويوسف الخال، وفتح الباب أمام نموذج جديد من المسلسلات اللبنانية – السورية ذات الإنتاج العالي والمضمون المشوّق.
ثم توالت النجاحات مع “تشيللو” و”نص يوم”، حيث حافظت الشركة على معايير جمالية عالية في الصورة والإخراج والموسيقى التصويرية، بالتوازي مع الأداءات اللافتة للأبطال.
لكن الذروة الحقيقية تجسّدت في “الهيبة”، الذي تحوّل من مسلسلٍ موسمي إلى ظاهرة درامية عبر خمسة أجزاء متتالية، حُمِلَت على أكتاف تيم حسن الذي رسّخ من خلاله مكانته كأبرز نجوم الدراما العربية. نجاح “الهيبة” لم يكن عابراً، بل أعاد تعريف مفاهيم البطولة، السوق الدرامي، وتسويق المسلسلات في العالم العربي.
وفي عام 2019، جاءت ذروة أخرى بعنوان “خمسة ونص”، العمل الذي جمع نادين نجيم وقصي خولي، وحقق نسب مشاهدة قياسية، فكان بمثابة “هيت” درامي جمع بين الجودة البصرية والسرد المتماسك، وحافظ على خط الصبّاح التصاعدي في تلك الحقبة الذهبية.
مرحلة التراجع والإخفاقات المتتالية
غير أن مرحلة ما بعد 2019 حملت مؤشرات واضحة على تراجع المنسوب الفني والإداري داخل الشركة. فالأعمال التي تلت لم ترقَ إلى مستوى التوقعات، ولم تترك الأثر ذاته في وجدان الجمهور.
من “صالون زهرا” بجزأيه، إلى “2024”، “نقط انتهى”، “الغريب”، “سيب وأنا أسيب”، “شتي يا بيروت”، “وأخيراً”، “المتهمة”، و”العين بالعين”، وصولاً إلى “نفس” في رمضان الماضي، بدا أن الشركة فقدت بوصلتها الفنية.
مسلسل “نفس” الذي جمع عابد فهد ودانييلا رحمة ومعتصم النهار، شكّل نموذجاً لما يمكن تسميته خللاً في المعادلة الإنتاجية، إذ لم يحقق أي أثر يُذكر رغم الإمكانات الكبيرة، وتعرّض لانتقادات واسعة من النقاد والجمهور على حد سواء.
الاستثناء الوحيد في تلك الفترة ظلّ أعمال تيم حسن، مثل “تاج” و”الزند” و”تحت سابع أرض”، التي أعادت بعض التوازن لاسم الشركة بفضل حضور تيم الطاغي وقدرته على جذب الانتباه.
الأسباب خلف التراجع
النقد هنا لا يأتي من باب الهجوم، بل من حرص مهني على مكانة مؤسسة عربية تركت إرثاً كبيراً.
يُلاحظ أن الشركة باتت تعتمد في السنوات الأخيرة على التعويل على نجاحات الماضي، دون تطوير أدواتها بما يتناسب مع التحولات السريعة في الذوق العام وسوق المنصات الرقمية.
كما أن الإدارة الفنية فقدت شيئاً من حيويتها، مع اختيارات نصوص ضعيفة وإخراج تقليدي لا يواكب مستوى المنافسة الحالي.
إلى جانب ذلك، برزت مشاكل في التواصل الإعلامي والعلاقات العامة، انعكست سلباً على صورة الشركة، إضافة إلى ما يُتداول عن تحكم بعض الأطراف الداخلية في القرارات الفنية والإعلامية، مما أفقد الصبّاح مرونتها وقدرتها على اتخاذ قرارات إبداعية مستقلة.
الحاجة إلى مراجعة وتحديث الرؤية
تاريخ الشركة العريق، الممتد لأكثر من سبعة عقود، يجعلها مؤهلة لتصحيح المسار واستعادة دورها الريادي. لكن ذلك يتطلب إعادة تقييم شاملة على المستويين الفني والإداري، تبدأ من آلية اختيار النصوص، مروراً بالمخرجين، وصولاً إلى استعادة ثقة الجمهور والنقاد.
فالرهان الحقيقي اليوم ليس على اسم “الهيبة” أو بريق الماضي، بل على القدرة على التجديد وخلق موجة جديدة من الدراما التي تليق باسم الصبّاح وتاريخها الطويل.
إنّ الشركة التي صاغت هوية الدراما المشتركة، قادرة – إن أرادت – أن تكتب فصلاً جديداً من المجد. لكن البداية تكون بالاعتراف بأن العصر تغيّر، وأن النجاح اليوم لا يُبنى على nostalgia بل على رؤية متجددة تحترم الجمهور وتقدّر قيمة الفن.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة Bitajarod ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من Bitajarod ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
