اقتصاد / صحيفة الخليج

الذكاء الاصطناعي التوليدي ومديرو الأصول

فارس بنواري*

تصفّح أي صحيفة وستجد صفحات مليئة بقصص عن الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي أحدث نقلة نوعية في ممارسات الأعمال. إذ يشهد قطاع الاستشارات المالية على وجه الخصوص تحولاً هائلاً بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي. فبات يُستخدم على نطاق واسع لإنشاء خطط مالية وتخصيصات للأصول بدقة وكفاءة عالية، ما يفتح المجال لعهد جديد من الإنتاجية والأتمتة. على الرغم من وجود بعض الجدل حول مخاطر ومكاسب المحوّل المولّد المدرب مسبقًا (GPTs)، إلا أن هناك إجماعًا واسعًا على أنه لا يمكن تجاهله.

ومع ذلك، هناك جانب هام تم إغفاله، هو إمكاناته الهائلة في خلق فرص جديدة لمديري الأصول ومختاري الأسهم. وفقًا لبيانات أكومين للأبحاث والاستشارات، من المحتمل أن ينمو سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 34.3% بين عامي 2022 و2030، ليصل إلى 110.8 مليار دولار بحلول عام 2030. فقد أعاد إطلاق أول نسخة سوقية واسعة النطاق من تشات جي بي تي في نوفمبر 2022 الثقة للمستثمرين في قطاع التكنولوجيا، وأعاد إلى الواجهة قطاعًا كان يهيمن على محافظ مديري الأصول لعقد من الزمن. فهذا العرض القوي للإمكانات الجديدة أذهل المستثمرين الذين قلقوا من تراجع هذا القطاع في عام 2022، وكانوا على وشك إعلان نهاية سيطرته التي دامت لعقد من الزمن.

يتزايد الحديث عن الذكاء الاصطناعي التوليدي في محادثات المستثمرين بشكل ملحوظ، مصحوبًا بارتفاع حاد في اهتمامهم. فقد أدركت شركات رأس المال المجازف العالمية والمحلية وشركات إدارة الاستثمار، مثل «سيكويا» و«أندريسين» و«هوروويتز» وشركة آنيكس للاستثمار التي تتخذ من العربية المتحدة مقرًا لها، بسرعة إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي الهائلة. وبحسب أحدث بياناتٍ من «كرانش بيز»، وصلت استثمارات قطاع الذكاء الاصطناعي في عام إلى 50 مليار دولار. وتشير التوقعات، بناءً على أجراه معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي المتمحور حول الإنسان وفريق البحث الاقتصادي في «غولدمان ساكس»، إلى أن الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي سيصل إلى حوالي 200 مليار دولار أمريكي عالميًا بحلول عام 2025. ولن يقتصر تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على عالم الاستثمار العالمي فحسب، بل من المتوقع أن يُحدث ثورة في مشهد الأعمال في الشرق الأوسط أيضًا. فوفقًا لدراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، يتصدر الشرق الأوسط قائمة الدول من حيث استثمارات الذكاء الاصطناعي، إذ يطمح 93% من المديرين التنفيذيين إلى زيادة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي في عام 2024. وبحسب تقرير آخر صادر عن «استراتيجي آند الشرق الأوسط»، يُقال إن الذكاء الاصطناعي التوليدي لديه القدرة على مساعدة دول مجلس التعاون الخليجي على تحقيق مكاسب اقتصادية بقيمة 23.5 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن تشهد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية على ما يقارب 75% من تلك الفوائد من هذه التقنية الناشئة.

هل حان وقت ركوب موجة الذكاء الاصطناعي التوليدي بعد الأداء المذهل للقطاع في عام 2023؟

يقدم الاستثمار في قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي إمكانات لا مثيل لها لمديري الأصول ومختاري الأسهم، حيث يضعهم في طليعة ثورة تكنولوجية ناشئة. غالبًا ما تتمتع شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي بمزايا الريادة، ما يخلق عقبات كبيرة أمام دخول المنافسين المحتملين، الأمر الذي يمكن أن يُترجم إلى تدفقات إيرادات مستدامة وتحقيق الربحية. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يؤدي التأثير التراكمي للتقدم التكنولوجي وتوسيع الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى تعزيز نمو قيمة أسهم المساهمين بشكل كبير. كما أن تنوع استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي وقدرته على اختراق مجموعة متنوعة من الصناعات، يسمح للقطاع بالتكيّف مع المتطلبات المتطورة للسوق.

ولكن، على الرغم من إمكانياته الهائلة، يجب على المستثمرين مراعاة بعض الاعتبارات قبل الغوص بعمق في قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي.

أولاً، تجاوزت قيمة العديد من الشركات توقعات نموها بشكل كبير، لأن السوق، كما نعلم، سبّاق. لذلك، يجب أخذ الحيطة والحذر، سواء في ما يتعلق بالقطاع بشكل عام أو قطاع أشباه الموصلات بشكل خاص. فعلى المدى القصير، نرى قيمة أكبر في مصنعي المعدات مقارنةً بشركات صناعة وتصميم الرقائق.

على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تهيمن على قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي مع عدد من الفرص الواعدة التي تتراوح بين الشركات الكبرى والشركات الناشئة، إلا أن أوروبا وآسيا لديهما أيضًا بعض الشركات الجذّابة التي تُعدّ موردًا أساسيًا لصناعة أشباه الموصلات. ومع ذلك، يجب تقييم الفرص بعناية مع مراعاة تقييمات الشركات ودورة الاستثمار في صناعة أشباه الموصلات، التي تشهد نمواً مستمراً رغم أنها لا تزال معرضة لتقلبات كبيرة.

ثانيًا، في الحالات التي يُنظر فيها إلى شركة على أنها مهددة من قبل تشات جي بي تي وبارد، أظهر السوق سلوكًا غير متناسب، معاقبًا العديد من الشركات بدون تمييز. فقد واجهت شركات كبيرة مثل أدوبي وأدفينتشر وإنتويت في البداية مخاوف من أن تصبح خدماتها قديمة بسبب التطورات التكنولوجية. ومع ذلك، أدركت هذه الشركات في الواقع أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يُمثل فرصة جديدة لزيادة الإيرادات وتحسين الكفاءة.

يمكّن الاهتمام بنهج عائد التدفق النقدي على الاستثمار (CFROI) من التركيز على خلق قيمة حقيقية، ما يسمح بالحفاظ على مسار استثماري ثابت. ويُفضّل هذا النهج الشركات القادرة على زيادة عائد التدفق النقدي على الاستثمار أو الحفاظ عليه مستقرًا على الرغم من حدة المنافسة. وبذلك، يتم تجنّب الاستثمار في الشركات التي أثارت حماس المستثمرين بناءً على افتراضات غير واقعية.

على الصعيد العالمي، لا تزال هناك مخاوف أخرى تستوجب الانتباه. فمن المتوقع فرض لوائح تنظيمية أكثر صرامة على قطاع الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومن غير المرجح أن تغيب قضايا الملكية الفكرية وحماية المستهلك عن أذهان المنظمين في المستقبل القريب. كما أنّ استهلاك الكهرباء الكبير الناتج عن الحوسبة العالية الأداء يُثير قلق المهتمين بالبيئة.

ومع ذلك، يبقى شيء واحد مؤكد. يتمتع الذكاء الاصطناعي التوليدي بالقدرة على إحداث ثورة في جميع القطاعات، بما في ذلك القطاع المالي. وعلى الرغم من أن الاضطرابات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي ستتجاوز نطاق سوق الأسهم، فإننا في يونيون بانكير بريفيه نرى في ذلك فرصة استثنائية لمختاري الأسهم ومديري الأصول النشطين في الشرق الأوسط.

* مدير محفظة أول في يونيون بانكير بريفيه

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا