اقتصاد / صحيفة الخليج

موجة الثروة العظيمة

دانييل والدنستروم*

شهدت العقود الأخيرة تضاعف الثروات الخاصة في مختلف أنحاء العالم الغربي، ما جعل الأفراد أكثر ثراءً من أي وقت مضى. وبالنظر إلى العدد المتزايد من أصحاب المليارات، يبرز سؤال مهم، هل نعيش حقاً في زمن من عدم المساواة غير المسبوقة في الثروة؟
لقد زعم علماء مؤثرون أننا نعيش بالفعل ذلك، وروايتهم عن العصر الذهبي الجديد تصور الثروة كأداة للقوة وعدم المساواة. فبعد أن سمح عصر القرن التاسع عشر، الذي تميز بانخفاض الضرائب مع الحد الأدنى من تنظيم السوق، بتراكم رأس المال دون رادع، جاءت الحربان العالميتان وسياسات الضرائب التصاعدية في القرن العشرين لتقلص ثروات الأثرياء وتردم فجوات الثروة. لكن، منذ عام 1980، عكست موجة من السياسات الصديقة للسوق هذا الاتجاه التاريخي المعادل، ما أدى إلى تعزيز قيم رأس المال وإعادة عدم المساواة في الثروة إلى مستويات تاريخية مرتفعة.
اليوم، أصبحت شعوب أوروبا والولايات المتحدة أكثر ثراءً من أي وقت مضى من حيث الثروة الشرائية الحقيقية. ونحن نحدد الثروة بوصفها قيمة لجميع الأصول، مثل المساكن والودائع المصرفية والأسهم وصناديق التقاعد، مطروحاً منها جميع الديون، وخاصة الرهن العقاري. وعند حسابها بين جميع البالغين، تظهر البيانات أن قيمة الثروة زادت بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 1980، ونحو عشرة أضعاف على مدى القرن الماضي.
ولأن قدراً كبيراً من هذا النمو حدث في أنواع الأصول التي يمتلكها الناس العاديون، كالمساكن ومدخرات التقاعد، فقد أصبحت الثروة موزعة بشكل أكثر مساواة بمرور الوقت. وانخفض التفاوت فيها بشكل كبير على مدى القرن الماضي، وعلى الرغم من ظهور رواد الأعمال الأثرياء للغاية في السنوات الأخيرة، ظل تركيز الثروة عند مستوياته المنخفضة تاريخياً في أوروبا وزاد بشكل رئيسي في الولايات المتحدة.
في كتابه «رأس المال في القرن الحادي والعشرين»، فحص توماس بيكيتي التطور الطويل الأجل لرأس المال وعدم المساواة في الثروة منذ الثورة الصناعية في عدد قليل من الاقتصادات الغربية. ووصفت روايته تراكم الثروة وتركيزها على أنها تتبع نمطاً بشكل حرف «U» على مدى القرن الماضي. حيث بلغت مستويات الثروة وعدم المساواة ذروتها وقت اندلاع الحرب العالمية الأولى، للرأسمالية غير المنظمة، أو الضرائب المنخفضة، أو النفوذ الديمقراطي. وخلال القرن العشرين، أدى تدمير رأس المال في زمن الحرب والضرائب التصاعدية بعدها إلى خفض الثروة بين الأغنياء ومساواة الملكية. ولكن منذ عام 1980، كما يقول بيكيتي، عززت السياسات النيوليبرالية قيم رأس المال وعدم المساواة في الثروة إلى مستويات قياسية جديدة.
إن الدرس العام المستفاد من التاريخ هو أن تراكم الثروة يشكل قوة إيجابية تعزز الرفاهية في اقتصادات السوق الحرة. وهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو الشركات الناجحة، الأمر الذي يؤدي إلى خلق وظائف جديدة، وارتفاع الدخول، وزيادة عائدات الضرائب للقطاع العام. وقد ساهمت عوامل تاريخية واجتماعية واقتصادية مختلفة في صعود تراكم الثروة في الطبقة المتوسطة، حيث كانت ملكية المساكن ومدخرات التقاعد من أهم تلك العوامل. وفي مطلع القرن العشرين، كان امتلاك مسكن لائق والادخار للتقاعد من الكماليات التي تتمتع بها قِلة مختارة فقط، ربما بضع عشرات من الملايين في البلدان الغربية. لكن اليوم، أصبحت الأحلام التي كانت بعيدة المنال في السابق بامتلاك المساكن والحصول على معاشات تقاعدية حقيقة، واقعاً بالنسبة لمئات الملايين من الناس. فقد ارتفعت معدلات امتلاك المساكن من 20% إلى 40% في النصف الأول من القرن الماضي إلى 50% و80% في العصر الحديث. كما زادت مدخرات التقاعد في فترة ما بعد الحرب، وهو ما يعكس طول أعمار الناس نتيجة للتحسن العام في مستويات المعيشة. وكانت المعاشات التقاعدية الممولة ومدخرات التأمين الأخرى تشكل ما بين 5% و10% من محافظ الأسر في حوالي عام 1950، ولكن هذه الحصة زادت إلى ما بين 20% و40% في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
في الختام، ينبغي لنا أن ندرك أن قصة معادلة الثروة ليست قصة نجاح مطلق.
فما زالت هناك فجوات كبيرة في الثروة داخل الدول وفيما بينها، وهو ما يؤدي إلى عدم الاستقرار والظلم. وعلى مدى السنوات الماضية، زاد تركيز الثروة في بعض البلدان، وخاصة في الولايات المتحدة.
ويبقى مدى ارتباط هذا الأمر بريادة الأعمال الإنتاجية التي تولد المنتجات والوظائف والدخول والضرائب، سؤالاً يحتاج إلى مزيد من الدراسة. ومع ذلك، في هذه المرحلة لا يزال من الأهمية بمكان الاعتراف بالتقدم المحرز نحو تحقيق قدر أعظم من المساواة في ماضينا وفهم كيف حدث ذلك. عندها فقط يمكننا أن نكون في موقف أقوى نحو مزيد من التقدم في سعينا إلى عالم أكثر عدالة وازدهاراً.
* أستاذ الاقتصاد في معهد أبحاث الاقتصاد الصناعي في ستوكهولم. موقع «أيون»

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا