اقتصاد / صحيفة الخليج

أثر الفراشة في الإدارة والاقتصاد

د. راسل قاسم*
إن قدرتنا على ربط الأفكار، ونقل المفاهيم من بيئة إلى أخرى، هي أحد أهم مصادر الابتكار والاكتشاف والتجديد. قمت منذ فترة بإعادة قراءة كتاب «The Butterfly Effect: How Your Life Matters» للكاتب آندي أندروز، الذي تناول فيه ما يُعرف بأثر الفراشة وأهمية القرارات الصغيرة والأفعال التي قد تبدو غير مؤثرة في اللحظة، ولكنها تؤدي إلى تأثيرات كبيرة لاحقاً.
منذ ذلك الحين، أصبحت رؤيتي لأي فراشة تستجلب هذا الأثر في ذهني، وتؤدي إلى تداعي سلسلة من الأفكار. وللتوضيح فإن «أثر الفراشة» يجسد فكرة أن الأحداث الصغيرة قد تؤدي إلى تغييرات هائلة وغير متوقعة. نشأ هذا المفهوم من نظرية الفوضى على يد العالم إدوارد لورنتز عام 1961، حيث اكتشف أن تغييرات طفيفة في البيانات الأولية يمكن أن تخلق نتائج مختلفة تماماً. وأصبحت فكرة أن «رفرفة جناح فراشة في البرازيل قد تسبب إعصاراً في تكساس» رمزاً لفهم كيف يمكن للتغيرات البسيطة أن تؤثر في أنظمة معقدة.
عندما ننقل هذا المفهوم من المجال الفيزيائي إلى عالم الإدارة والاقتصاد، نكتشف تشابهاً مدهشاً. فيمكن للقرارات البسيطة أو التغيرات الطفيفة التي يتخذها القادة، أن تكون بمثابة «رفرفة الفراشة» التي تؤدي إلى تحولات هائلة وغير متوقعة. قد يبدو أن قراراً بسيطاً مثل تعديل طفيف في طريقة التواصل مع العملاء أو تغيير صغير في هيكل الشركة يمكن أن يكون غير مؤثر في لحظته، ولكنه قد يقود إلى نجاحات أو أزمات ضخمة على المدى الطويل.
لعل أبرز الأمثلة يتجلى في قصة صعود شركة «أبل». ففي منتصف الثمانينات، اتخذ ستيف جوبز قراراً بسيطاً بتركيز الجهود على تصميم أجهزة حاسوب جذابة من الناحية الجمالية وسهلة الاستخدام. هذا القرار الذي بدا للبعض هامشياً في حينه، تحول مع مرور الوقت إلى نقطة تحول رئيسية ليس فقط في تاريخ الشركة، بل في عالم التكنولوجيا ككل. رفرفة جناح الفراشة هنا كانت في إعادة التفكير في كيفية تصميم الحواسيب، والنتيجة كانت أن «أبل» أصبحت واحدة من أكثر الشركات قيمة وتأثيراً في العالم.
كذلك تبني التقنيات الجديدة في مراحلها المبكرة يعد أحد التطبيقات الواضحة لأثر الفراشة. الشركات التي أدركت مبكراً أهمية الأتمتة والتحول الرقمي مثل «أمازون»، شهدت قفزات كبيرة في الإنتاجية والكفاءة التشغيلية. رفرفة جناح الفراشة هنا تمثلت في قرار بسيط بتطبيق الروبوتات في المستودعات، والذي أدى لاحقاً إلى تحقيق طفرة في طريقة عمل سلاسل التوريد وزيادة سرعة العمليات وتحقيق نجاح عالمي هائل.
إن أثر الفراشة في مجال الابتكار، يمكن أن يكون بداية لتحولات كبيرة في الاقتصاد العالمي. فالشركات التي قررت في بداياتها تبني نماذج عمل غير تقليدية أو تطوير منتجات فريدة، استطاعت خلق أسواق جديدة. على سبيل المثال، عند إطلاق «تسلا» لسياراتها الكهربائية، كانت رفرفة جناح الفراشة في تطوير بطاريات قوية ومستدامة. اليوم، أصبحت «تسلا» نموذجاً يحتذى به في صناعة السيارات الكهربائية، مع تأثير واضح في أسواق والبيئة.
على الجانب الآخر، يمكن أن تؤدي القرارات الصغيرة أيضاً إلى نتائج كارثية. على سبيل المثال، نذكر كيف أن تغييرات طفيفة في آليات الرهن العقاري في الولايات المتحدة خلال سنوات قليلة قبل أزمة 2008 المالية ساهمت في خلق كرة الثلج التي أدت في إلى الانهيار المالي العالمي. مجرد تعديل في سياسات الإقراض وتسهيل شروط التمويل العقاري كان كافياً لإحداث أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير.
وكيف لنا هنا أن ننسى ما حدث مع شركة «نوكيا»، التي كانت تسيطر على سوق الهواتف المحمولة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. في لحظة بدت غير مؤثرة، اتخذت الشركة قراراً بتأخير تبني أنظمة الهواتف الذكية وتجاهلت في البداية تطوير نظام تشغيل ينافس الأنظمة الأخرى. هذا القرار الصغير نسبياً، المتمثل في عدم التكيف بسرعة مع الاتجاه المتنامي لتكنولوجيا الهواتف الذكية، كان له تأثير كارثي في مستقبل الشركة. رفرفة جناح الفراشة هنا تمثلت في تجاهل الابتكار المستمر، ما أدى إلى تراجع كبير في مبيعات الشركة وفقدانها لهيمنتها في السوق لصالح منافسين مثل أبل وسامسونغ، حتى أصبحت «نوكيا» رمزاً لفقدان السوق بسبب قرارات إدارية غير مدروسة.
يبدو أن عالم الإدارة والاقتصاد مليء بالفراشات التي ترفرف هنا وهناك، لتذكيرنا بأن النجاح أو الفشل قد يبدأ من تفاصيل صغيرة، وأن كل قرار هو شرارة محتملة لعاصفة من النتائج المستقبلية، قد تكون إيجابية ترفع المؤسسة إلى القمة، أو سلبية تقودها نحو الهاوية.
* خبير إداري

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا