هل لدى الضفة الغربية ما يكفي من الترف لتصارع نفسها وسط مأساة غزة ؟ هل لدى السلطة والفصائل فائض من الوقت لتنشغل في خلافاتها بينما تصارع غزة موتها؟ إذا كان الأمر كذلك، فتلك أسوأ ما يمكن أن يحدث حين تنحرف الأنظار هناك، وينجرف الاهتمام عن الإبادة التي تمارسها إسرائيل منذ أكثر من أربعة عشر شهراً.
ربما علينا أن نلوم رسوبنا في امتحان التوافق وانعدام الكفاءة في صناعة وحدة الضرورة الوطنية التي باتت تتطلبها اللحظة الراهنة، وسط بحر الدم والتهديد الأكبر الذي تتعرض له الكيانية الفلسطينية التي تقف على مفترق هو الأخطر منذ نشوئها.
قبل ثلاثة أعوام من حي المخفية ظهرت حالات مسلحة في مدينة نابلس ، أطلقت على نفسها اسم عرين الأسود، كتعبير عن مناخات خلقتها العربدة الإسرائيلية والمستوطنون في الضفة الغربية، لكن حدثت المأساة أن إسرائيل تمكنت من اغتيالهم جميعاً، لتعيش الضفة على وقع جنازات ومآتم تركت ما يكفي من الأسى لتحقق إسرائيل إنجازاً بالقضاء على الحالة الناشئة كنا آخر ما نحتاجه.
يتكرر المشهد الآن في جنين، ويقف الجميع على رؤوس أصابعه خوفاً، رغم أن الحالة في جنين أدت قبل أشهر إلى اجتياح إسرائيل للمخيم. كنا حينها نخشى مما هو أبعد في ظل ما ترتكبه إسرائيل في غزة أن تقوم إسرائيل بتجريف المخيم، وتهجير سكانه، وقد قدمت بروفة من هذا القبيل بتدمير البنية التحتية للمخيم.
وقع الحالة ربما يسمع صداه في غزة، فالاندفاع الزائد وغير المحسوب يفترض أنه ترك ما يكفي من الدروس لجهة التوحش الإسرائيلي، واستغلال أي فعل غير محسوب لتنفيذ مشاريع إستراتيجية، خاصة أن الجميع يعرف أن مشروع هذه الحكومة هو الضفة الغربية وليس غزة، وإذا كان البعض يطالب بانتظار تقييم تجربة غزة، فهذا الأمر ينطبق أولاً على المسلحين أنفسهم إلى أن تنتهي التجربة هناك، رغم أن ما حدث كان يكفي لاستخلاص العبر، ولكننا كشعب اعتدنا على التلكؤ في قراءة الأشياء حين تتطلب مصالحنا ادعاء الجهل.
بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان التصريح الأول لبتسلئيل سموتريتش، الرجل الأيديولوجي القوي في حكومة نتنياهو، هو «أن الرد على ما حدث هو إسقاط السلطة وضم الضفة الغربية»، كان هذا يجب أن يشعل كل الأضواء الحمر وإدارة سياسة حذرة جداً في الضفة، خاصة لمن يراقب معظم سياسات الحكومة الإسرائيلية التي سارت وفق توجهات ورغبات سموتريتش، بما فيها الرفض الدائم خلال الأشهر الماضية لصفقة تبادل الأسرى مع حركة « حماس ».
لقد مر أكثر من أربعة عشر شهراً على ذبح غزة، لم تستطع الضفة الغربية، لا بسياستها ولا بمسلحيها ولا بتظاهراتها القليلة، من فعل شيء لوقف العدوان. فكل ما هو مطلوب من الضفة ألا تذهب لمغامرات كما فعلت غزة، فالإنجاز الوطني هناك وبعد التجربة المريرة هو القدرة على البقاء. وإذا تمكنت السلطة من فعل ذلك، فهذا يعني أنها تمكنت من تجنيب الضفة الغربية ما حدث لغزة وتجربتها، لأن استمرار التواجد الفلسطيني واستمرار المدن الفلسطينية في ذروة مشاريع التهجير هو المطلوب حالياً.
هل تستطيع المجموعات المسلحة فعل ذلك أم يمكن أن يكون الأمر عكسياً؟ هل نقدم قراءة سياسية لتجربة غزة أم نستمر بدفن رؤوسنا في الرمال تحت وهج العاطفة واندفاعاتها فادحة الثمن؟ على النخب الفكرية أن تقدم إجابة، فلم يعد متسع للمغامرة أكثر بالشعب الفلسطيني، ولا يجب أن تترك السياسة تحت إدارة السلاح، هذه واحدة من خلاصات التجربة. صحيح أن ما تفعله إسرائيل بغزة يُبكي الحجر، ويصنع غضباً لا تحتمله صدور الشبان الذين يندفعون بلا حساب، ولكن في أشد الظروف صعوبة لا ينبغي للعقل أن يغيب؛ لأن لحظة سهوة أو غياب في هذا الظرف الحساس لا نستطيع دفع ثمنها، إلا إذا أردنا أن نرى الضفة مثل غزة. لكن الأسوأ أن تضغط إسرائيل على الضفة وت فتح المعبر للمغادرين، وهو لب مشروع الحكومة، ولا يجب أن نقدمه بعاطفة عمياء على طبق من دم وجهل بالحسابات.
وإذا كانت السلطة، كما يقول رجالها، أنها تبذل جهدها لتجنب تجربة غزة والحفاظ على الشعب الفلسطيني، وعدم التسبب بالدمار والتهجير، فلدى المسلحين أيضاً ما يقولونه برغبتهم بالدفاع عن الشعب الفلسطيني «طبعاً بالتجربة لا أحد يستطيع الدفاع عن الشعب»، بمعنى أنه يمكن لمس قدر من وحدة الهدف وصراع الوسيلة. وهذا لا يتطلب ذلك العنف والتشنج، بل بحوار وطني مسؤول يجب أن تتحمل مسؤوليته القوى الوطنية والسلطة مستفيدين من التجربة التي تتجسد أمامنا، ولم تترك متسعاً للاجتهاد لعواطف السلاح وغضبه.
السلطة هي المسؤولة عن الضفة الغربية، وعليها أن تمرر هذه اللحظة السوداء بأقل الخسائر. ففي الأوقات الحرجة لا أحد يتحدث عن إنجازات، بل تتواضع الحالة لشروط الحد الأدنى، والتي تتوقف عند القدرة على البقاء. وليس مطلوباً من الضفة تحرير الوطن فتلك فوق طاقتها بكثير، وجميعنا يعرف ذلك بلا أوهام آن أوان خلعها، وجميعنا يعرف أن إسرائيل تتحضر بمشروعها. فلا يحتمل الأمر مغامرات جديدة نعرف جميعاً نتائجها مسبقاً، كان الكتاب قد حذروا منها في غزة قبل أن تنهال عليهم الاتهامات لسنوات. لكن الآن يختلف الأمر؛ فبعد التجربة الفادحة لا مجال للاجتهاد.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة وكالة سوا الاخبارية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من وكالة سوا الاخبارية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.