شهدت صناعة الأدوية حدثًا مثيرًا مع إقرار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في نهاية يناير الماضي مُسكنا جديدا للألم، مما يمثل أول موافقة من هذا النوع منذ نحو 25 عامًا.
ويُنظر إلى هذه الموافقة على أنها علامة فارقة في علاج الألم، حيث يقدم الدواء الجديد بديلًا آمنًا لعلاجات الألم التي تقوم في معظمها على المواد الأفيونية.
تأتي هذه الموافقة في وقت يشهد فيه سوق مسكنات الألم العالمية نموًا ملحوظًا، مدفوعًا بالطلب المتزايد والتقدم التكنولوجي في تطوير الأدوية.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
وتُظهِر الدراسات الاستقصائية أن المسكنات أو الأدوية التي تتحكم في الألم هي أكثر العقاقير الموصوفة شيوعًا في المستشفيات.
آلية مبتكرة للتخلص من الألم
وبعد عقود من التدقيق التنظيمي الصارم، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على دواء سوزيتريجين الجديد المعد لمعالجة حالات الألم الحادة والمزمنة، وهو عبارة عن أقراص ستباع تحت الاسم التجاري "جورنافكس".
وقالت الدكتورة "جاكلين كوريجان"، القائمة بأعمال مدير مركز تقييم الأدوية والبحث التابع لإدارة الغذاء والدواء: "يشكّل الدواء فئة علاجية جديدة من المسكنات غير الأفيونية لعلاج الألم الحاد مع تجنب المخاطر المرتبطة باستخدام مسكنات الأفيون".
ووفقًا لدراسة أجرتها شركة فيرتيكس فارماكيتيكالز التي طورت الدواء الجديد، فإن الوصفات الطبية لنحو 80 مليون أمريكي سنويًا تحتوي على أدوية لتسكين الألم الذي تتراوح درجته من المتوسط إلى الشديد.
وتشير الدراسة إلى أن نصف هذه الوصفات تنتمي إلى أدوية علاج الألم المتضمنة الأفيون، والتي يمكن أن تؤدي إلى الإدمان.
وسوزيتريجين هو أول مسكن جديد للألم معتمد في الولايات المتحدة منذ سيليبريكس؛ حيث يُعَدُّ الأخير نوعا من الأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية التي تسمى مثبطات كوكس-2، ووافقت عليها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في عام 1998.
ويقول الدكتور "سيرجيو بيرجيس"، أخصائي التخدير في كلية رينيسانس للطب بجامعة ستوني بروك، إن أجزاء متعددة من الجسم تشارك في الإحساس بالألم حيث تحمل الخلايا العصبية إشارة كهربائية من موقع تلف الأنسجة إلى المخ، الذي يدرك الإشارة على أنها ألم.
وعلى عكس الأدوية الأفيونية التي تخفف من الإحساس بالألم داخل الدماغ، فإن السوزيتريجين يعمل على منع الأعصاب من إرسال إشارات الألم إلى الدماغ.
وأوضح "بيرجيس" أن "تأثير الدواء الجديد هو مقاطعة مسار الشعور بالألم، إذ إن الدماغ لا يدرك الألم رغم تلف الأنسجة مع استخدام هذا العقار".
وتمكن الباحثون من اكتشاف الدواء الجديد بعدما لاحظوا عائلة في باكستان كان أفرادها يستطيعون المشي على الجمر المشتعل، ووجدوا أنهم يفتقرون إلى جين مسؤول عن إرسال إشارات الشعور بألم إلى الدماغ، مما يمكنهم من القيام بهذا الأمر دون معاناة.
أشهر مسكنات الألم المبيعة والمتداولة في الوصفات الطبية بالولايات المتحدة | ||||
الترتيب |
| اسم الدواء |
| الحصة السوقية |
1 |
| هيدروكودون-أسيتامينوفين |
| %23.9 |
2 |
| أيبوبروفين |
| %13.1 |
3 |
| ترامادول |
| %12.3 |
4 |
| أوكسيكودون-أسيتامينوفين |
| %9.6 |
5 |
| أوكسيكودون إتش سي أي |
| %7.7 |
*وفقًا لبيانات عام 2022
ومع ذلك، استغرق الأمر من العلماء وقتًا طويلًا من أجل معرفة كيف يمكن استغلال تلك الآلية في إنتاج دواء يمنع الشعور بالألم.
وقال الدكتور ستيفن واكسمان، الذي يدير مركز أبحاث علم الأعصاب والتجديد في كلية الطب بجامعة ييل: "تتحدث الخلايا العصبية مع بعضها البعض من خلال إنتاج سلسلة من النبضات العصبية، مثل شفرة مورس".
وأضاف أن النبضات العصبية تُنتَج بواسطة بطاريات جزيئية صغيرة داخل أغشية الخلايا العصبية، وتُعرف هذه البطاريات الجزيئية باسم قنوات الصوديوم، حيث يعمل سوزيتريجين على إغلاق إحدى قنوات الصوديوم المسؤولة عن توصيل إشارات الألم.
ومن المتوقع أن يوفر الدواء الجديد خيارًا جديدًا لملايين المرضى الذين يعانون من أنواع مختلفة من الألم، بما في ذلك آلام ما بعد الجراحة، والألم المرتبط بالسرطان، واضطرابات الألم المزمن.
صناعة بمليارات الدولارات
تتباين أنواع المسكنات التي توجد في الأسواق العالمية والتي تنقسم إلى مسكنات الألم الأفيونية والتي تشكل الجزء الأكبر من هذا السوق، ولكن هناك مخاوف من تحول مستخدميها إلى مرحلة الإدمان أو إساءة استخدامها.
كما توجد مسكنات للألم غير أفيونية التي تعتمد على الأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية والأدوية القائمة على الأسيتامينوفين حيث تُستعمل على نطاق واسع لعلاج الآلام التي تتراوح درجتها من الخفيفة إلى المتوسطة.
هذا إلى جانب المسكنات الموضعية والبديلة مثل اللصقات والمواد الهلامية والعلاجات القائمة على الأعشاب حيث يبحث المرضى أحيانًا عن بدائل غير كيميائية للتخلص من الألم.
ويُعَدُّ سوق مسكنات الألم أحد أكبر القطاعات في صناعة الأدوية، إذ قُدرت قيمته بما يتراوح بين 70 و80 مليار دولار خلال عام 2023.
توقعات حجم سوق الأدوية خلال الفترة من 2026 إلى 2033: | |
السنة | توقعات السوق |
2026 | 81.5 |
2027 | 85.5 |
2028 | 89.5 |
2029 | 93.5 |
2030 | 97.5 |
2031 | 101.6 |
2032 | 105.6 |
2033 | 109.6 |
في حين يتوقع موقع ألايد ماركت ريسرش أن يصل حجم السوق إلى 109.6 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي قدره 4.2%.
ويستمر الطلب على مسكنات الألم في الارتفاع بسبب العديد من العوامل منها ارتفاع نسبة الشيخوخة، وزيادة الأمراض المزمنة، وانتشار حالات مثل التهاب المفاصل والصداع النصفي والألم المزمن.
في حين تشير بعض التوقعات إلى أن سوق التخلص من الألم سيبلغ 110 مليارات دولار بحلول عام 2030، مدفوعًا بالابتكارات في صناعة الأدوية، والتقدم في التشخيص الطبي.
قصة أول مسكن للألم
كان تخفيف الألم جانبًا بالغ الأهمية من الطب منذ العصور القديمة، إذ يعود تاريخ أقدم مسكنات الألم المعروفة إلى آلاف السنين.
واستخدمت الحضارات العلاجات الطبيعية مثل لحاء الصفصاف الذي يحتوي على الساليسين، وكان خطوة مهمة في طريق تصنيع الأسبرين، إضافة إلى المستخلصات المشتقة من الأفيون لتسكين الآلام.
وفي القرون الوسطى، بدأ الطب يُعيد اكتشاف هذه الخصائص، لكن التطورات العلمية الحقيقية لم تحدث إلا في أواخر القرن التاسع عشر.
في تلك الفترة، كانت البحوث الكيميائية تهدف إلى تحويل المواد الطبيعية إلى أدوية صناعية أكثر فاعلية وأقل آثاراً جانبية، وهنا جاء دور الكيميائي الألماني "فيليكس هوفمان"، الذي كان يعمل في شركة باير.
ففي عام 1897، نجح "هوفمان" في إجراء تعديل كيميائي على مادة الساليسين عن طريق تفاعلها مع حمض الأسيتيك، مما أدى إلى إنتاج حمض أسيتيل الساليسيليك؛ المركب الذي نعرفه اليوم باسم "الأسبرين".
وقد كان لهذا التحول أهمية كبيرة، إذ إنه ساهم في تقليل التهيج الذي كان يحدث عند استخدام الساليسين بشكل مباشر، مما جعله أكثر قبولاً وسهولة في الاستخدام.
وبعد نجاح التجارب المخبرية، قامت شركة باير بتسجيل براءة اختراع للمركب في عام 1899، ومن ثم شرعت في تصنيع الأسبرين على نطاق صناعي.
وسرعان ما أصبح الأسبرين أحد أول الأدوية التي تُنتج بكميات كبيرة، مما سمح بتوفيره على نطاق عالمي لعلاج الآلام والحمى.
وأصبح هذا الدواء غير الأفيوني حجر الزاوية في الطب الحديث، ويستخدم على نطاق واسع لتسكين الآلام، وكمضادات للالتهابات، ودعم صحة القلب والأوعية الدموية.
كما أدى إدخال المورفين في القرن التاسع عشر والتطورات اللاحقة في المواد الأفيونية الاصطناعية إلى تحول كبير في علاج الألم.
ومع ذلك، تواصل شركات الأدوية عمليات البحث المستمرة من أجل الوصول إلى مسكنات ألم أكثر أمانًا وفاعلية.
ومع توسع سوق مسكنات الألم العالمية، ستلعب الابتكارات في تطوير الأدوية دورًا حاسمًا في معالجة تحديات إدارة الألم، لذا من المرجح أن تشهد السنوات القادمة المزيد من التقدم، مما يسهم في تقليل ألم ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم على نحو أفضل وبآثار جانبية أقل.
المصادر: أرقام- تايم- سي إن إن- ألايد ماركت ريسرش- بريهسيدنس ريسرش- دفينيتف هيلث كير
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.