مايك دولان*
تُهدر الأسواق الكثير من الوقت في محاولة معرفة إلى أين تتجه السياسات الاقتصادية لدونالد ترامب، لدرجة أنها تفشل في رؤية حجم المخاطر التي قد تنشأ عن حقيقة بسيطة مفادها بأن لا أحد يعرف ما سيحدث بعد ذلك.
ويبدو أن الغموض المتعمد الذي تفرضه الإدارة الجديدة بشأن سياسات التعريفات التجارية والتحالفات الجيوسياسية مصمم لإبقاء المفاوضين المتنافسين في حيرة لتقديم مزيد من التنازلات، لكن قد يكون لذلك تأثير سلبي في الاقتصاد الأمريكي نفسه إذا كانت الشركات الأمريكية لا تعرف بالضبط ما تخطط له.
وقد يشكل التأخير في اتخاذ القرارات على مستوى الأعمال والأسر أكبر تهديد للتوسع الاقتصادي طويل الأمد في البلاد ولتقييمات وول ستريت التي لا تزال باهظة الثمن.
في غضون ذلك، تشير استطلاعات الرأي التي أجرتها الشركات والمستهلكون في الولايات المتحدة إلى أنه أصبح من الصعب فهم الأسعار أو السياسات التي ستسود في المستقبل. وهذا يعني أن المشاريع والتوظيف والصفقات والاستثمارات من المرجح أن تؤجل حتى تتضح الأمور. والسؤال المهم الآن، هل سيتضح هذا الأمر حقاً في عهد الإدارة الحالية؟
وأظهر مسح «معهد إدارة التوريد» لشركات التصنيع في فبراير/شباط، أن كلاً من الطلبات الجديدة وقراءات التوظيف قد انزلقت إلى منطقة الانكماش بعد بعض الانتعاش الذي تلا فترة الانتخابات، في حين عادت توقعات التضخم التي أزعجتها الرسوم الجمركية إلى الارتفاع. كما أظهر استطلاع «إس آند بي غلوبال» للشركات في قطاع الخدمات المهيمن في الولايات المتحدة أن النشاط الإجمالي تحول إلى سلبي الشهر الماضي لأول مرة منذ 16 شهراً.
في بعض الحالات، يعمل عدم اليقين على تحريف السلوك إلى درجة أنه يثقل كاهل المكونات الرئيسية لحسابات الناتج المحلي الإجمالي. وعلى سبيل المثال، تعد التجارة الدولية الصافية مدخلاً رئيسياً في حسابات هذا الناتج. ولكن مع اندفاع الشركات الأمريكية إلى تحميل الواردات مقدماً لتجنب التعريفات التجارية الوشيكة على السلع من الخارج، قفز العجز التجاري نتيجة لذلك، ما أدى إلى انهيار تقديرات الناتج المحلي الإجمالي.
وبحسب نموذج «جي دي بي ناو» الصادر عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، والذي يحظى بمتابعة وثيقة، يفترض متغير صافي الصادرات أول انكماش ربع سنوي في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وهو الأعمق منذ إغلاق كورونا عام 2020.
وفي الوقت الذي يرفض البعض النتيجة بوصفها خللاً إحصائياً، فإنها لا تزال مثيرة للقلق في عالم الاستثمار، حيث أقنع الكثيرون أنفسهم بأن دورة الأعمال قد ماتت، وسعّروا معظم الأوراق المالية الأمريكية وفقاً لذلك.
والمشكلة بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن تشوهات التعريفات الجمركية ستختفي قريباً هي نية ترامب الواضحة في إبقاء احتمال فرض تعريفات جمركية أعلى وأوسع نطاقاً معلقة إلى أجل غير مسمى.
ووصف الخبير الاقتصادي الأمريكي بريان روز من إدارة الثروات العالمية في «يو بي إس» هبوط الناتج المحلي الإجمالي الآن بأنه «ضوضاء وليس إشارة»– مضيفاً أن زيادات التعريفات الجمركية التي فُرضت هذا الأسبوع على كندا والمكسيك والصين هي سبب حقيقي للقلق. وقال: «ستؤدي هذه التعريفات إلى صدمة كبيرة قد تكون أكثر مما يمكن للاقتصاد أن يتحمله في الوقت الحالي».
وتشعر بيوت الاستثمار الأخرى المتفائلة نسبياً في وول ستريت بالخوف إزاء التحول الأخير في المشاعر. حيث قال خبراء الاقتصاد في «مورغان ستانلي» إن بعض الكآبة المفاجئة ربما تكون مبالغ فيها، لكن التسلسل غير المؤكد للسياسات الأمريكية يظل مصدر قلق.
ويجادل بعض المحللين كذلك بأن السياسات التي من المرجح أن تعيق النمو وتحفز التضخم، مثل التعريفات التجارية وقيود الهجرة، تبدو وكأنها ستأتي أولاً. في حين أن السياسات التي يمكن أن تعزز النمو، مثل تخفيف القيود التنظيمية، من المرجح أن تكون ضمن المرحلة القادمة، أو ربما لا تأتي على الإطلاق في حالة التخفيضات الضريبية. ولاحظوا أن عمليات التسريح المعلنة قد تقلل من العمالة الفيدرالية بمقدار 31 ألف وظيفة شهرياً حتى سبتمبر/أيلول، وربما يؤدي تجميد التوظيف المقترح إلى خفض العمالة بمقدار مماثل.
مع وجود وول ستريت في موقف حرج تلونت فيه معظم مؤشراتها الرئيسية للأسهم باللون الأحمر هذا العام حتى الآن، هناك خطر يتمثل في أن يؤدي اضطراب السوق إلى استنزاف ثقة الأسر والشركات بشكل أكبر.
وحتى أولئك الذين يعتقدون أن الاقتصاد الأمريكي يمكن أن يظل فائزاً نسبياً على الرغم من كل التوترات التجارية والاضطرابات السياسية، عليهم أن يتذكروا أن ما يقرب من 40% من إجمالي الإيرادات من شركات «إس آند بي» تأتي من الخارج. لذا فإن أي ضرر اقتصادي عالمي ناجم عن سياسات الولايات المتحدة من المرجح أن ينعكس سلباً على البلاد.
*محرر الأسواق المالية في «رويترز»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.