اقتصاد / ارقام

أدوية تحت الحصار .. هل تهدد القيود التجارية أمن الصحة العالمي؟

  • 1/5
  • 2/5
  • 3/5
  • 4/5
  • 5/5

كان "كارلوس ميندوزا"، موظف البريد المتقاعد من العاصمة الكولومبية بوغوتا، يعيش حياة بسيطة لكن مستقرة رغم إصابته بمرض السكّري وأمراض القلب.


كل ما كان يحتاج "ميندوزا" إليه للحفاظ على هذا الاستقرار في صحته هو مجموعة من الأدوية اليومية التي تؤمّن له الحد الأدنى من الاستقرار الصحي. لكن في أوائل عام 2024، بدأ الصيدلي يعتذر له كل أسبوع، قائلاً: "الدواء لم يصل بعد، هناك تأخير من الخارج".

لم يفهم كارلوس تفاصيل الخلافات التجارية بين الدول، أو لماذا أصبحت شركته الوطنية عاجزة عن استيراد الدواء الذي استخدمه لسنوات، لكنه كان يدرك شيئًا واحدًا وهو أن جسده بدأ ينهار.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام


وبالفعل بعد شهرين من معاناة تأخير الحصول على دوائه، نُقل إلى المستشفى بسبب نوبة قلبية حادة، فشله في الوصول إليه.


قصة كارلوس ليست حالة فردية، بل هي مرآة لأزمة صامتة تتفاقم عبر العالم: القيود التجارية على الأدوية، والتي تهدد واحدة من أبسط حقوق الإنسان—الحق في العلاج.


فمع تزايد التوترات الجيوسياسية، وارتفاع النزعة الحمائية، تتسع الهوة بين من يملكون القدرة على شراء الدواء ومن لا يستطيعون حتى الوصول إليه.


فبينما يتصاعد الحديث عن الأمن الغذائي والطاقة، يبدو أن الأمن الصحي العالمي يقف على حافة أزمة خفية، تدق ناقوس الخطر في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء.


من يتحكم في صناعة الدواء عالميًا؟


تتركز صناعة الدواء بشكل كبير في أيدي عدد محدود من الدول التي تمتلك التكنولوجيا والتمويل والخبرة البحثية اللازمة، ما يمنحها نفوذًا واسعًا على سلاسل الإمداد الصحي في العالم.


وتتصدر الولايات المتحدة المشهد من حيث الابتكار والتطوير، إذ تضم شركات عملاقة مثل "فايزر"، و"موديرنا"، و"جونسون آند جونسون"، وتُعد موطنًا لنحو نصف الإنفاق العالمي على الأبحاث الدوائية.


كما أن جزءًا كبيرًا من الأدوية الجديدة التي تُطرح في السوق كل عام تطور داخل مختبرات أمريكية.


في حين يشكل الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا وسويسرا وبلجيكا، محورًا صناعيًا رائدًا في إنتاج الأدوية البيولوجية واللقاحات.


وتعد شركة "روش" السويسرية، و"سانوفي" الفرنسية، و"بيونتيك" الألمانية، من بين الأسماء الكبرى التي تُسهم في سلاسل الإمداد العالمية للأدوية المعقدة.

لكن في المقابل، فإن والهند تملكان اليد العليا في تصنيع المواد الخام الفعالة والمنتجات الجنيسة، وهي أدوية تحتوي على نفس المادة الفعالة الموجودة في الأدوية الأصلية، وتؤدي نفس التأثير العلاجي، ولكنها تُباع تحت اسم مختلف وغالبًا بسعر أقل بكثير.


حصة أكبر 10 دول مصنعة للدواء في السوق العالمي في عام 2024

الترتيب

الدولة

النسبة (%)

1

الولايات المتحدة

53.2

2

الصين

7.5

3

ألمانيا

4.7

4

4.1

5

فرنسا

3.3

6

إيطاليا

3

7

المملكة المتحدة

2.8

8

إسبانيا

2.3

9

كندا

2.3

10

البرازيل

2.2


وتوفر الصين أكثر من 40% من المواد الفعالة المستخدمة في الصناعة الدوائية عالميًا، فيما تُنتج الهند أكثر من 20% من الأدوية الجنيسة التي تُستهلك في العالم.


هذا التركّز يُعد سيفًا ذا حدّين، فمن جهة يوفّر كفاءة إنتاجية وخفضًا للتكاليف؛ لكنه من جهة أخرى يجعل النظام الصحي العالمي هشًا أمام التوترات الجيوسياسية، أو الأوبئة، أو الكوارث الطبيعية التي قد تُعطل الإنتاج في أي من هذه الدول.


أزمة تتشكل في صمت


في السنوات الأخيرة، بدأت الحكومات تستخدم الأدوات التجارية كأذرع للضغط السياسي والاقتصادي، بما في ذلك القيود على صادرات الأدوية والمستلزمات الطبية.


ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما جرى خلال جائحة كوفيد-19 حين فرضت أكثر من 60 دولة قيودًا على تصدير المعدات الطبية والمواد الفعالة، ما أدى إلى نقص حاد في الأسواق، خاصة لدى الدول ذات الدخل المنخفض.

ووفقًا لتقديرات منتدى الاقتصاد العالمي، تسببت هذه الإجراءات في ارتفاع تكاليف نقل وبيع المنتجات الطبية عبر الحدود بنسبة تصل إلى 60%.


بل إن بعض الدول الكبرى لجأت إلى تخزين كميات ضخمة من الأدوية بشكل استباقي، كما حدث في الولايات المتحدة التي سجلت واردات دوائية بقيمة 53 مليار دولار في مارس 2025 وحده، بزيادة بلغت 160% مقارنةً بالعام السابق، تحسبًا لتوسيع الرسوم الجمركية.


في المقابل، تُركت دولٌ أخرى تكافح لتأمين الإمدادات الأساسية لمواطنيها.


ولمعرفة حجم الأثر الذي قد تخلّفه القيود المفروضة على حصول الدول على الأدوية، يكفي أن ننظر إلى حالة ، حيث تسببت العقوبات الاقتصادية خلال عامي 2017 و2018 في نقص حاد بالأدوية الأساسية.


وأدى هذا إلى تفشي أمراض مثل الملاريا والدفتيريا، وحدوث انهيار واسع في نظام الرعاية الصحية، وفقًا لتقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية ومنظمات الإغاثة الدولية.


هشاشة النظام العالمي لتوريد الأدوية


تُنتج العديد من الأدوية في دول تختلف عن تلك التي تُستهلك فيها، ما يجعل النظام الصحي العالمي معتمدًا بشكل شبه كامل على سلاسل توريد مترابطة ومعقدة.


لكن مع تصاعد النزاعات التجارية، تصبح هذه الشبكات عرضة للانهيار في أي لحظة. فالصين، التي تُعد أكبر مصدر للمواد الفعالة في صناعة الأدوية، شهدت اضطرابات حادة في خطوط إنتاجها عام 2025 بسبب التوتر مع الولايات المتحدة.


وقد دفع ذلك العديد من الشركات الصينية إلى تخزين المواد الخام وتأجيل عمليات التصدير، ما أثر على الأسواق العالمية.


وفي ظل هذه التحديات، بات الوصول إلى الأدوية مهددًا بشكل مباشر، خاصة في الدول التي تعتمد كليًا على الاستيراد لتأمين حاجاتها من المستحضرات الطبية.


إذ أدى تعطل الإمدادات إلى نقص في أدوية حيوية مثل المضادات الحيوية وأدوية القلب، وحتى الأدوية الخاصة بعلاج الأمراض النفسية والعصبية.


كما اضطرت بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات طارئة، مثل تقنين صرف الأدوية للمواطنين أو منح الأولوية للحالات الحرجة فقط، في حين لجأت دول أخرى إلى البحث عن بدائل محلية غير معتمدة أو أقل جودة، مما أثار مخاوف بشأن فعالية تلك العلاجات وسلامة المرضى.

هذا الواقع كشف عن هشاشة البنية الدوائية العالمية، وأعاد إلى الواجهة النقاش حول ضرورة تعزيز التصنيع المحلي للأدوية، وتنويع مصادر الاستيراد، وبناء مخزونات استراتيجية قادرة على تغطية الاحتياجات في أوقات الأزمات.


الأدوية المغشوشة أو منخفضة الجودة


جانب مظلم آخر يظهر جراء هشاشة النظام العالمي لتوريد الأدوية، يتمثل في تفشي ظاهرة الأدوية المغشوشة أو المنخفضة الجودة، خصوصًا في الدول النامية التي تعاني من ضعف الرقابة وغياب أنظمة فعالة لتتبع سلسلة الإمداد الدوائي.


فعندما تتعطل خطوط التوريد أو ترتفع أسعار الأدوية الأصلية بسبب الأزمات الجيوسياسية، تسارع المنتجات غير المرخصة إلى ملء هذا الفراغ بسرعة، وغالبًا ما يتم تداولها في الأسواق المفتوحة أو عبر قنوات غير رسمية لا تخضع لأي فحص أو توثيق.


وتزداد الخطورة عندما تكون هذه الأدوية مخصصة لعلاج أمراض خطيرة مثل السرطان أو الملاريا أو العدوى البكتيرية، إذ يؤدي استخدامها إلى نتائج كارثية على صحة المرضى، ويُفقد الثقة في المنظومة الصحية برمتها.


وفي هذا الإطار، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن 30% من الأدوية في الدول النامية مغشوشة أو منخفضة الجودة، وهو ما يؤدي إلى وفاة نحو مليون شخص سنويًا، وتُقدر الخسائر الناجمة عن هذه الأدوية المغشوشة بـ 200 مليون دولار سنويًا.


دعوات لإعادة النظر


سعت العديد من الدول لتحقيق السيادة الدوائية وتقليل الاعتماد على الخارج، ومن بين أبرز تلك التجارب التجربة البرازيلية.


وأطلقت البرازيل في مطلع الألفية مشروعًا وطنيًا لتقليل الاعتماد على استيراد الأدوية، وخاصة لعلاج الأمراض المزمنة مثل الإيدز.


وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن 85% من الأدوية في القطاع العام البرازيلي تؤمن اليوم عبر شركات وطنية، بفضل تحفيزات حكومية، ونقل تقنيات عبر شراكات دولية.


في المقابل تُحذر منظمات دولية مثل البنك الدولي من أن فك الارتباط الكامل قد يترتب عليه تكاليف باهظة.

وتشير تقديرات مجموعة بوسطن الاستشارية إلى أن نقل 10% فقط من سلاسل الإمداد إلى الداخل سيُكلف الشركات أكثر من تريليون دولار خلال عشر سنوات.


أمام هذه المعطيات، بدأت الدعوات تتصاعد لإعادة النظر في النظام التجاري الصحي العالمي.


وتتجه التوصيات العالمية نحو حلول أكثر توازنًا، مثل إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات الدوائية، وتقليص القيود على التصدير، وتحسين الإجراءات التنظيمية، فضلًا عن تعزيز التعاون في مشاركة الملكية الفكرية خلال الأزمات الصحية الكبرى.


وفي عالم تزداد فيه النزاعات التجارية والصراعات الجيوسياسية، لا ينبغي أن يُزج بالدواء في ساحة التنافس والصراع.


فالأدوية ليست أوراقًا للمساومة أو أدوات للضغط؛ بل هي شريان حياة لملايين البشر حول العالم.


وحين يتحول علاج السرطان أو الأنسولين أو المضادات الحيوية إلى سلعة خاضعة للعقوبات والرسوم والخلافات الدبلوماسية، فإننا لا نتحدث فقط عن أزمة توريد، بل عن جريمة مؤسسية ضد حق الحياة.


لقد أثبتت الأزمات الحديثة أن تجاهل الطبيعة الخاصة للقطاع الدوائي يدفع العالم نحو كارثة أخلاقية قبل أن تكون صحية، ويجعله مسار خطير يعمّق انعدام المساواة الصحية، ويهدد بتفكيك ثقة الشعوب في المؤسسات الدولية.


المصادر: أرقام- رويترز- فايننشال تايمز- بلومبرج- منتدى الاقتصاد العالمي- منظمة الصحة العالمية- غرفة التجارة الأمريكية- البنك الدولي- هيلث بولسي ووتش- ستاتيستا

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا