-لطالما هيمنت على الفكر الاقتصادي لعقودٍ طوال، نظريةٌ متشائمة عُرفت بـ "مأساة المشاع"، تنبأت بمآلٍ كارثي للموارد المشتركة، وافترضت أن الأنانية البشرية ستقودها حتمًا إلى الدمار.
- وفي خضم هذا التيّار الفكري الجارف، بزغ نجم إلينور أوستروم، كأستاذة علوم سياسية، ومحققة فذة نسفت تلك المُسلّمات من جذورها، لتُتوَّج في عام 2009 كأول امرأة في التاريخ تحصد جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، وتُعيد للعالم الثقة في قدرة المجتمعات على حكم نفسها.
ثورة فكرية في وجه حتمية الانهيار
- كانت الرؤية الاقتصادية السائدة، التي بلورها عالم البيئة جاريت هاردين، تقضي بأن أي مورد مشترك - سواء كان مرعًى أو مصيدة أسماك أو غابة - مصيره الاستنزاف المحتوم، ما لم تفرض الدولة هيمنتها الكاملة عليه، أو يُقسَّم ويُباع كملكية خاصة.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- لكن أوستروم، متسلحةً بأبحاثها الميدانية المعمقة التي جابت بها أصقاع العالم، وقفت في وجه هذا الإجماع الفكري.
- برهنت بالدليل العملي القاطع أن المجتمعات البشرية أبعد ما تكون عن العجز والأنانية الفطرية، بل إنها تمتلك قدرة مدهشة على تطوير آليات ذاتية ومؤسسات فعّالة لإدارة ثرواتها المشتركة بنجاح واستدامة.
من لوس أنجلوس إلى قمة المجد: رحلة البحث عن الحقيقة
- وُلِدَت إلينور كلير في السابع من أغسطس عام 1933 بمدينة لوس أنجلوس، ونشأت في بيئة متواضعة، إلا أن شغفها بفهم كيفية انتظام المجتمعات دفعها إلى دراسة العلوم السياسية.
- وفي رحاب جامعة كاليفورنيا، لم تنل درجة الدكتوراه في عام 1965 فحسب، بل وجدت شريك عمرها وفكرها، عالم السياسة فينسنت أوستروم.
- وهناك في جامعة إنديانا، أسسا معًا صرحًا بحثيًا فريدًا هو "ورشة عمل في النظرية السياسية وتحليل السياسات"، الذي غدا منارة عالمية لدراسة الحوكمة والعمل الجماعي.
- لم تكن أوستروم مجرد أستاذة جامعية، بل قائدة فكرية أرست دعائم مؤسسة أكاديمية لا يزال أثرها ممتدًا إلى يومنا هذا.
إسهامات أوستروم المحورية في الفكر الاقتصادي
أبرز إسهامات أوستروم في الفكر الاقتصادي | |
نظرية الموارد المجتمعية |
- ويأخذ هذا النموذج في الاعتبار العوامل التي تسهم في استدامة هذه الموارد، مثل حجم المورد، وعدد المستخدمين، والقواعد المتبعة في إدارته. |
مبادئ التصميم للموارد المجتمعية |
- تشمل هذه المبادئ: الحدود الواضحة المعالم، والقواعد المتناسبة مع الظروف المحلية، والمراقبة، والعقوبات المتدرجة، وآليات حل النزاعات، والمؤسسات المتداخلة. |
أهمية المؤسسات |
- أظهرت أوستروم أن المؤسسات المصممة جيدًا يمكن أن تساعد المجتمعات في إدارة الموارد المشتركة على نحو مستدام. |
- لقد تحدى عملها النهج المركزي في إدارة الموارد، وأبرز أهمية المعرفة المحلية ومشاركة المجتمع. أشارت نتائج أبحاث أوستروم إلى أن الإدارة القائمة على المجتمع ومشاركة المستخدمين يمكن أن تكون بدائل فعالة للحلول الحكومية أو السوقية.
- قدمت إلينور دراساتها رؤى قيّمة لصانعي السياسات والممارسين الذين يسعون إلى حلول مستدامة لتحديات إدارة الموارد.
مبادئ أوستروم الثمانية: دستور إدارة المشاعات
- لم يقتصر إرث أوستروم على تقويض النظريات السائدة فحسب، بل تجلّى في تقديم إطار عملٍ بنّاء؛ ففي كتابها الأيقوني "حُكم المشاعات" (Governing the Commons)، قدّمت خلاصةَ سنواتٍ من البحث الميداني الدؤوب، متجسدةً في 8 مبادئ جوهرية تُمثّل دستورًا لنجاح الإدارة المجتمعية المستدامة للموارد. وتتمثل هذه المبادئ في:
1- رسم حدود واضحة ودقيقة: تحديد هوية الأفراد أو المجموعات المخولة بالاستفادة من المورد المشترك، مما يمنع النزاعات ويحفظ الحقوق.
2- مواءمة القواعد مع الظروف المحلية: صياغة القواعد التنظيمية بما يتناسب مع الاحتياجات والبيئة الخاصة بكل مجتمع، وبمشاركة فاعلة من أفراده.
3- ترسيخ المشاركة في صنع القرار: ضمان مشاركة أغلبية المستخدمين في وضع القواعد وتعديلها، مما يعزز الامتثال والالتزام الذاتي.
4- إيجاد نظام فعّال للمراقبة: وجود آليات رقابية يتولاها المستخدمون أنفسهم أو من يفوضونهم، لضمان احترام القواعد ومحاسبة المخالفين.
5- فرض عقوبات متدرجة: تطبيق جزاءات متناسبة مع حجم المخالفة، تبدأ بسيطة وتتصاعد تدريجيًا، بهدف الإصلاح لا الإقصاء.
6- توفير آليات سريعة ومنخفضة التكلفة لفض النزاعات: إنشاء منابر محلية يسهل الوصول إليها لحل الخلافات الناشئة بين المستخدمين بسرعة وإنصاف.
7- ضمان الاعتراف الرسمي بالحق في التنظيم الذاتي: اعتراف السلطات الحكومية بشرعية القواعد التي يضعها المجتمع المحلي، وعدم تقويضها.
8- بناء هياكل مؤسسية متداخلة: تنظيم إدارة الموارد المشتركة في مستويات متعددة ومتكاملة (من المحلي إلى الإقليمي الأوسع)، خاصة عند التعامل مع موارد عابرة للحدود المجتمعية.
إسهاماتها الخالدة وإرثها المتجدد
- جاء تتويج إلينور أوستروم بجائزة نوبل تقديرًا "لتحليلها المتميز للحوكمة الاقتصادية، وبخاصة المشاعات".
- كان عملها برهانًا ساطعًا على أن المجتمعات المحلية، بفضل معرفتها العميقة بظروفها وكونها المستفيد المباشر، هي الأجدر بإدارة مواردها بفاعلية وكفاءة، مقدمةً بذلك بديلًا قويًا للحلول المركزية أو للخصخصة المطلقة.
- لم يكن إرثها مجرد تكريم تاريخي، بل هو فكر حي يتجدد ويُلهم السياسات والبحوث حول العالم؛ فأفكارها لم تبق حبيسة الأروقة الأكاديمية، بل تحولت إلى دليل عملي يُسترشد به في مشاريع معاصرة، مثل تحسين نظم الرعاية الصحية، مما يثبت حيويتها في مواجهة أكثر التحديات إلحاحًا في عصرنا.
- حقًا، لقد كانت إلينور أوستروم واحدة من أعظم المفكرين الاقتصاديين في القرن العشرين، ليس فقط لكونها أول امرأة تنال هذا الشرف الرفيع، بل لأنها جددت الإيمان بقدرة البشر على التآزر والتعاون من أجل الصالح العام، مقدمةً للعالم رؤية أكثر تفاؤلاً وإنسانية.
المصدر: إنفستوبيديا.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.